تتصرف إسرائيل وكأنها الدولة "الأعظم" في العالم

{title}
أخبار الأردن -

الدكتور حسني عايش

هذا ما كشفت عنه وأكدته حرب غزة اسرائيل. وعلامة ذلك أن جملة الدول العظمى في الغرب، وبخاصة أميركا، راضية في أن تكون في جيب بنطال إسرائيل الخلفي القصير: سياسياً ودبلوماسياً ومادياً وعسكرياً، وبقية الدول مثل روسيا والصين تحسدها على ذلك، وتتمنى أن تكون في هذا الجيب، لتحظى برضا «شعب الله المختار»، بمعنى أن العالم يتعامل معها على هذا الأساس فتصدق.

لقد تمكنت اسرائيل، وفي وقتٍ قياسي، من استنفار أكثر من ثلاثمائة ألف جندي وضابط من الاحتياط، الشيء الذي عجزت عنه روسيا العظمى في حربها مع اوكرانيا. لقد كشف هجوم غزة المفاجئ الخارق على اسرائيل والمحاصرة: بحراً وبراً وجواً والمحطمة اقتصادياً، التي لا تزيد مساحتها على مساحة بلدية نيويورك أو بلدية لندن، أو بلدية برلين أو منطقة عجلون في الأردن، عن هذه الحقائق المخفية. 

لكن غزة قهرت الجيش الذي لا يُقهر وأربكته وأبكته. كما أنها أذلت اسرائيل/ الدولة الأعظم المتعنترة دائماً، ومرغت انفها- قدام العالم- بالتراب، فاندفعت دول الغرب العظمى عبر حلف الأطلسي وبقيادة أميركا إلى انقاذها ولملمتها وايقافها على قدميها وضد «القطاع» الأعظم في العالم. وهنا تبرز المقولة الفلسطينية: «اللّهم احمني من أميركا، أما اسرائيل فأنا قادر عليها». 
وما إن استفاقت اسرائيل من الصدمة حتى قامت برد ساحق وماحق لغزة: بشراً وحجراً وشجراً من الوجود، وأخره الغارة على المستشفى المعمداني الأهلي الذي لا توجد كلمات تعبر عن مقدار وحشيتها لوصفه فقد قتلت نحو خمسمائة فلسطيني من الجنسين ومن مختلف الأعمار، محتقرة القانون الدولي وكل خلق إنساني، وموجهة عيناً حمراء إلى بقية الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وإلى كل من تسول له نفسه المس بإسرائيل وبخاصة حزب الله المحافظ على الهدوء المقطع بمناوشات عابرة لا تستفز اسرائيل للدخول في حرب معه.
الذي يحيرني وأرغب في معرفة جواب هذا السؤال عنه: هل كانت حماس والجهاد مستعدتين لتداعيات هذا الزلزال المدمر أم لا؟ إذا لم تفكرا فيها ولم تستعدا لها فقد ارتكبتا خطأ كبيراً ستظل آثاره معلّمه على وجه كل فلسطيني ولأجل غير مسمى. ها هي اسرائيل تدك وتقصف غزة براً وبحراً وجواً بما يزيد على ستة آلاف طن من المتفجرات حتى الآن،  أي ما يساوي ستة ملايين كيلو غرام من المتفجرات، وبمعدل ثلاثة كيلوغرامات منها على رأس كل غزّي، دون اي تمييز بين الأعمار أو بين الجنسين. وهو أمر لا تستطيع دولة عظمي أن تتحمله وتبقى.
غير أنه من جهة اخرى، فإنه إذا صمد القطاع ورد الهجوم البري وأجبرت إسرائيل على وقف القصف والقتل وبقي كل طرف في مكانه السابق، فإن ذلك سيعني أن اسرائيل فشلت وهُزمت. وفي هذه الحالة قد تعوض عن ذلك بهدم المسجد الأقصى، والبدء في بناء الهيكل الثالث، فمخططاته جاهزة، وكذلك طرد جميع المقدسيين من القدس.. للتعويض ولرفع معنويات اليهود والصهاينة المنهارة في الداخل والخارج، ولإذلال الفلسطينيين والعرب والمسلمين كلهم بهذه الإجراءات، فإسرائيل لا تسكت على هذه الهزيمة النكراء ولا تمررها، لأنها توارتياً وتلمودياً وفلسفة وفكراً وسياسة وتحالفاً مع أميركا لا تسكن دون اغلاق الدائرة الغضبية النفسية المثقوبة بالهجوم الناجح عليها، مما يستدعي موقفاً عربياً ومسلماً موحداً للتصدي لهذه الاجراءات.

ومن جهة ثالثة، تبدو بقية دول العالم ما عدا الغرب المشارك في الحرب، وكأنها تتفرج على لعبة كرة قدم في غزة بين الفريقين الأخيرين الفائزين في المونديال، فهي لا تقدم سوى الزعيق «باختلاق» قصة الرهائن – مع أنهم مرتزقة يعملون في الجيش الاسرائيلي- والمطالبة بإطلاقهم فوراً بل وإطلاق جميع الأسرى دون مقابل، أي نزع جميع أوراق المساومة من أيدي القطاع وكأن هؤلاء يطالبونهما بالاستسلام التام لإسرائيل دون قيد أو شرط. يريد بعض دول هذه البقية تقديم خدمة لإسرائيل وإرضاء أميركا عليه ليدخل قلبها ويبقى فيه. لا أحد منهم تهزه عملية الإبادة اليهودية الإسرائيلية الأميركية الجارية على قدم وساق للغزيين والتدمير المنهجي للبنية الفوقية والتحتية في القطاع. لو كانوا شجعاناً أو صادقين مع حقوق الإنسان وحق تقرير المصير لأصروا على وقف القصف والتدمير أولاً، أو لقاموا بحملة إغاثة برية أو بحرية عاجلة للسكان، وعلى الرغم من اسرائيل، وأميركا التي تدعي أنها مهتمة بهذا الأمر ولكنها لا تفعله.
لقد حمت أميركا المسلمين من المعتدين إثر تفجيرات أيلول 2001 في نيويورك، ولكنها لا تفعل مثل ذلك الآن، لأن الموضوع يتعلق بما هو أهم من نيويورك. إنه يتعلق بإسرائيل سيدة أميركا والغرب. إن الفلسطينيين والمسلمين في أميركا الآن يخافون الخروج من مساكنهم ولا يجرؤون الذهاب إلى أعمالهم، لأنه لا أحد يحميهم. وحادثة الطفل الفلسطيني ذي الست سنوات من العمر الذي قتله المؤجر لمسكن ذويه، بست وعشرين طعنة وكذلك والدته، دليل واضح عليه.

يبدو أن هؤلاء المتفرجين على القصف يعصف بالإنسان الفلسطيني دون تمييز يضغطون على الفلسطينيين للاستسلام لإسرائيل دون قيد أو شرط، بمعنى قبول وضعهم اللاجئ النازح البائس مدى الحياة، بل والتنازل عن وطنهم نهائياً لإسرائيل، لتنعم فيه وحدها على طول. إنهم مستعجلون على  لفلفة الموضوع لصالح اسرائيل، وليضرب الفلسطينيون رأسهم بالحائط مع أنهم يعرفون أن اسرائيل لم تترك حائطاً لهم يدقون رأسهم به. 
الخلاصة: انه إذا فازت اسرائيل تماماً بهذا القتال العاصف فإن فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 تصبح مستحيلة، لأن العقل الاسرائيلي يقول لنفسه الآن: إذا كان قطاع صغير جداً من فلسطين محاصراً من جميع الجهات وفي جميع الأوقات، قادراً على زلزلة اسرائيل، فكيف سيكون عليه الأمر إذا صار للشعب الفلسطيني دولة مستقلة ذات سيادة؟! لا يبقى أمام اسرائيل إلا حل الدولة الديمقراطية الواحدة، لتنجو.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير