الأخلاق وجودة الإنتاج

الأخلاق وجودة الإنتاج

د. صلاح جرار

قد يكون السعي إلى تحقيق ربح أعلى أو تحقيق شهرة أوسع بعض الأسباب التي تؤدي إلى تجويد العمل والإنتاج وإتقانه، لكن ذلك لا يكفي وحده لضمان استمرارية الإنتاج المتميز والمتقن، لأن صاحب الصناعة إذا حقق الربح الذي يسعى إليه أو حقق الشهرة التي يطمح إليها قد يدفعه الجشع إلى تقليص الإنفاق على حساب نوعية المواد المستخدمة في صناعته فيؤثر سلبا على المنتج.

أما العنصر الأساسي إلى جانب الرغبة في تحقيق الربح والشهرة فهو عنصر الأخلاق، فهي الضامن الأكبر لسلامة المنتجات وجودتها والاستمرار في تطويرها وإتقانها وكسب ثقة المستهلك أو المستخدم.

وتنطبق هذه القاعدة على جميع الصناعات والمهن من أصغرها إلى أكبرها ومن أصغر المتاجر إلى أضخم المصانع والشركات العالمية ومن بائع الخضار إلى الصنائعي الذي يعمل في تمديدات الكهرباء أو تمديدات المياه أو إصلاح الآلات إلى صانعي السيارات الشهيرة والماركات الصناعية العالمية، فهؤلاء جميعا إذا تجرد عملهم ومنتجهم الصناعي أو المهني أو غيره من الأخلاق التي تقوم على العدل والالتزام وتنفيذ التعهدات مع المشتري أو المستهلك أو المستفيد واحترام الآخرين والمحافظة على مصالحهم وحقوقهم وإتقان العمل بأقصى درجات الإتقان، فعند ذلك يص?ح هذا المنتج أو العمل موضع شبهة ولا بد أن يظهر الفساد فيه عاجلا أو آجلا.

وقد يتظاهر بعض الباعة أو الصنائعيين أو أصحاب الشركات والمصانع بالأخلاق الكريمة كي يخدعوا المشتري أو المستهلك إلا أن نتائج هذا الخداع لا بد أن تظهر في وقت لاحق، ولذلك فإن الأخلاق التي ينبغي أن ترافق أي صناعة أو عمل هي الأخلاق التي تنبع من داخل الصانع أو العامل أو البائع والتي يكون الالتزام بها التزاما ذاتيا.

وإلى جانب ذلك فإن نجاح أي صناعة وانتشار أي منتج واكتساب شهرته يعود بالدرجة الأولى إلى التزام منتجه أو صانعه بالقيم النبيلة والأخلاق الكريمة في عمله. والذي أراه أيضا أنه ما من صاحب مهنة أو صنعة أو تجارة ممن يلتزمون في عملهم بالحقوق والواجبات والقيم الأصيلة والأخلاق الكريمة والنبيلة إلا وهو ناجح في عمله، لأن الالتزام بالقيم والأخلاق يدفع الصانع أو العامل إلى تجويد عمله وإتقانه وبذل أقصى جهد في إنجازه على أكمل وجه ممكن، ومتى كان عمله كذلك فإن ما ينتجه أو ينجزه يكون متميزا ويرضى به المستهلكون ويقبلون عليه.

ومن جهة أخرى فإن قيم إتقان العمل قد تكون مظهرا اجتماعيا في بعض الدول وفي بعض العقائد، وتكفي هاهنا الإشارة إلى الحديث النبوي «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، غير أن كتيرا من المجتمعات لا تلتزم بهذه القيمة، مما يؤدي إلى تراجع مكانتها الإنتاجية وضعف إنتاجها واتهام المجتمع نفسه بالخلل والفساد.

وعليه فإنني أرى أن اشتهار هذا البلد أو ذاك بصناعة معينة تتفوق على نظيراتها في بلدان أخرى يؤشر إلى التزام منتجي تلك الصناعة بالأخلاق في عملهم، وأن إخفاق أي بلد في صناعاتها ومنتجها هو مؤشر على تراجع أخلاقي أكثر منه تراجعا علميا أو مهنيا.كما أرى أن جودة الإنتاج الصناعي أو غيره في أي مجتمع هو مؤشر على استقامة أخلاق أبنائه.

ولذا فإنني أدعو معاهد التدريب المهني في كل مكان أن تراعي حث طلبتها المنتسبين إليها بالالتزام بالأخلاق الكريمة والقيم المهنية الرفيعة كي يحققوا النجاح والتفوق والتميز والإعلاء من شأن صناعاتهم وأعمالهم وسمعة بلدانهم.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).