لا شممنا التوابل ولا عرفنا ملمس الحرير

لا شممنا التوابل ولا عرفنا ملمس الحرير

مالك العثامنة

لدينا حكومة فيها وزير خارجية تاريخه المهني قادم من عالم الصحافة وترأس ذات يوم تحرير الجريدة الغراء التي تنشر مقالي هذا، كما ولدينا وزير اتصال معني بالتواصل ووظيفته أيضا أنه ناطق باسم الحكومة.

ولدينا صحافة بصحفيين أساتذة يمكن لهم ان يعالجوا الخبر – أي خبر- باحتراف ومهنية ولهم مصادرهم في الداخل والخارج، وقادرون على أن يتواصلوا مع كافة "مدراء العملية الإعلامية"  ومكاتبها في الدولة.

ومع ذلك، لا نعرف شيئا عنا وفيما يخصنا، إلا من حكومات الدول الأخرى ووزراء خارجية الدول الأخرى وناطقين صحفيين لمؤسسات دول أخرى وعبر صحافة وصحفيين من صحف دول أخرى! ونتداول ما نعرفه بدوائر مجموعات الواتس اب، فتصلنا الأخبار ونقوم بإعادة تدويرها بكبسة "Forward" على شاشة هواتفنا، وربما نخوض جدلا ونقاشات، وبين هذا وذاك تتسرب أخبار "مجهولة المصدر" فيها صياغة على شكل حقائق ومعلومات عنا وفيها ما يخصنا، ونبحث عن نفي أو تأكيد في أي ناطق "رسمي" من لدن أصحاب المعالي والعطوفة وأصحاب الحظوة كذلك فلا نجد إلا الفراغ.

زيارة الملك الأخيرة إلى الولايات المتحدة برفقة ولي العهد مليئة بالأخبار الدسمة التي تتجاوز الديباجة التقليدية المكررة عن بحث سبل التعاون وتأكيد الثوابت الأردنية وحق الشعب الفلسطيني في تحقيق مصيره!

في لقاء المونيتور الأخير، تحدث الملك بوضوح عن مقاربات جديدة تعلن عن ظهورها إلى السطح، ووجه تحذيرات ورسائل حول واقع الحال الراهن وكانت هناك إشارة واضحة من رأس الدولة الأردنية عن جدل تطبيع العلاقات السعودية – الإسرائيلية وهو في المحصلة قرار سيادي سعودي بالمجمل، لكن إشارة الملك وضعت أثقال العبء على الجانب الإسرائيلي وهو ما يشبه تنويها لازما وضروريا بعدم القفز فوق الفلسطينيين في أي مشروع او مبادرة حل.

الملك تحدث عن التكامل الإقليمي في اتفاقيات تقفز فوق العمل السياسي التقليدي، وهي فكرة ليست جديدة لكن أن يطرحها الملك في لقاء المونيتور يجعل حضورها مهما، أمام أخبار دولية متسارعة في إعادة تموضعات دولية شهدتها قمة العشرين الأخيرة في نيودلهي، وما يتم الحديث عنه اليوم "وبتفاصيل كثيرة" عن تحالفات جديدة مبنية على خطوط نقل وطرق جديدة تحمل أسماءا اصطلاحية كان آخرها على هامش قمة العشرين تحالف طريق التوابل -بهندسة أميركية- ويربط جنوب الهند بالخليج مرورا بالجزيرة العربية حتى موانئ إسرائيل على المتوسط ومنها إلى أوروبا، والأردن حاضر فيها!

وطريق "التوابل" على ما يعتقد المراقبون هو الرد المقابل لمشروع الصين في "طريق الحرير" او ما أسمته "الحزام والطريق" والذي أنفقت عليه الصين بالفعل مبالغ خرافية طائلة حتى اليوم.

أنا ممن يؤمنون – وكتبت كثيرا عن ذلك- بكل اتفاقيات التكامل الإقليمي بعد ما واجهناه كبشرية من كوارث في الأمداد وسلاسل التزويد بعد الحرب الأوكرانية، وضرورة هذا التكامل كدرس إنساني علينا ان نخرج به بعد جائحة كورونا التي أظهرت نقاط ضعف العالم كله.

ومثلي مثل أي "مواطن" أردني، أفترض أني أملك حق الحصول على المعلومة فيما يخص كل القضايا التي تمس الأردن ومنها وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي هي مجال الأردن الحيوي وقدره التاريخي والجغرافي.

ست دقائق تحدث فيها الملك كانت مكثفة وغنية بالرسائل والدلالات، وهو ما يضع عبء التفسير والإجابة عن الأسئلة في حضن الإعلام الرسمي للدولة، أينما كانت مكاتبه ومقراته، وهذا ضرورة حتى لا تتسلل الأخبار في الغرف المغلقة ويتسلل من بينها التضليل الذي ينتهي إشاعات لها اجنحة وتطير.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).