الافتاء تعلن حكم البيع بأقل من سعر السوق
نشرت دائرة الافتاء العام، ردها على سؤال يقول: نحن شركة مبيعات، ونستطيع أن نكسر جميع منافسينا بخفض أسعارنا لمدة شهرين، وبذلك يخرج كل منافسينا من السوق، وسؤالنا: هل يجوز لنا أن نكسر خصومنا بتخفيض أسعارنا أم لا؟.
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأصل في التجار أن يكونوا أمناء في تجارتهم قاصدين وجه الله تعالى، ومعاونة الناس في قضاء حوائجهم، ولهم من الله الأجر العظيم، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ) رواه الترمذي.
وأما الحكم الشرعي في بيع التاجر سلعته بأقلّ من سعر السوق فيختلف باختلاف المقصد من وراء ذلك التصرف، وذلك بحسب الحالات الآتية:
فإن كان التاجر يفعل ذلك بقصد الإضرار بغيره من التجار، كإلحاق الخسارة بهم أو إخراجهم من السوق للانفراد به، فإنه يحرم ذلك؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (لَا ضَرَرَ ولا ضِرارَ) رواه الدارقطني.
وأما إن لم يكن بقصد الإضرار وترتب عليه ضرر يسير فإنه يُغتفر ويتحمل الضرر الخاصّ في سبيل تحقيق مصلحة عامة، وهي التيسير على المواطنين بتخفيض الأسعار عليهم، ومن أمثلة ذلك: البيع لأجل التصفية لبعض السلع، بسبب اقتراب انتهاء موسمها، أو اقتراب انتهاء صلاحيتها، ونحوه، فيكون ذلك لظرف طارئ ولفترة محدودة، ولا حرج فيه.
أما إن ترتب على ذلك ضرر فاحش بعموم أهل السوق، فللفقهاء في ذلك قولان:
القول الأول: يجوز لكلّ من أتى السوق من أهله وغيرهم أن يبيع بأقلّ من سعر السوق أو بأكثر، ولا يُلزم أن يبيع كما يبيع الناس؛ فالإنسان لا يحجر عليه في تصرفه في ملكه فهو مسلّط عليه، ولا يجوز إلزامه بسعر معين ولا بتسعير، وهو قول جمهور الفقهاء.
جاء في [مختصر المزني 8/ 191] فيما يرويه عن الإمام الشافعي: "عن عمر أنه مر بحاطب بن أبي بلتعة بسوق المصَلّي وبين يديه غِرَارتان فيهما زبيب، فسأله عن سعرهما فسّر له مدين بدرهم، فقال عمر: لقد حُدثت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيباً، وهم يعتبرون سعرك فإما أن ترفع في السعر، وإما أن تدخل زبيبك البيت فتبيعه كيف شئت، فلما رجع عمر حاسب نفسه ثم أتى حاطباً في داره فقال له: إن الذي قلت لك ليس بعزيمة مني ولا قضاء، إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع وكيف شئت فبع".
القول الثاني: يلزم التاجر أن يبيع كما يبيع أهل السوق، فإن باع بأقل من سعر السوق منع منه، وأمر باللحاق بسعر السوق أو الخروج من السوق، وهو ما ذهب إليه المالكية.
قال الإمام ابن رشد المالكي رحمه الله: "إذا كان جل الناس على سعر، فقام الواحد أو الاثنان فحطوا من السعر فأدخلوا الفساد، فأولئك يقامون من السوق، أو يلحقون بسعر الناس" [البيان والتحصيل 9/ 390].
يتعين على التجار مراعاة الجوانب الأخلاقية والتنظيمية في تجارتهم، ولعل من أهمها عدم البيع بسعر منخفض وأقل من سعر التكلفة من أجل إقصاء المنافسين عن السوق؛ لما في ذلك من ضمان لحرية المنافسة ونزاهتها وشفافية الممارسات التجارية.
وقد أخذ القانون بقول من منع هذا الأسلوب الذي يقوم به التجار، فقد تضمنت الفقرة (ب) من نص المادة (6) من قانون المنافسة الأردني لسنة 2004: "يحظر على أي مؤسسة لها وضع مهيمن في السوق أو في جزء هام منه، إساءة استغلال هذا الوضع للإخلال بالمنافسة، أو الحد منها، أو منعها بما في ذلك ما يلي-:
-التصرف أو السلوك المؤدي إلى عرقلة دخول مؤسسات أخرى إلى السوق، أو إقصائها منه أو تعريضها لخسائر جسيمة بما في ذلك البيع بالخسارة".
وعليه؛ فإنّ تخفيض السعر عن سعر السوق من أجل المنافسة الشريفة والتيسير على الناس لجذب الزبائن لا حرج فيه، أما إذا أدى تخفيض السعر إلى إلحاق الضرر بباقي التجار من أجل الإضرار بهم أو إخراجهم من السوق، فيحرم ذلك. والله تعالى أعلم.