الاخبار العاجلة
القانون الدولي ودور الجاليات الفلسطينية لترقية فلسطين إلى دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة

القانون الدولي ودور الجاليات الفلسطينية لترقية فلسطين إلى دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة

المحامية دانييلا عدنان القرعان*

يعلم الفلسطينيون في كل بقاع الأرض أن العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة حق قانوني وإنساني لهم بالعودة الى الأراضي التي احتلها العدو الصهيوني منهم دون وجه حق، ومع بداية عقد كل دورة تتجدد المطالبات الفلسطينية والعربية بأحقية هذا الانضمام، ويعلمون أيضاً أن الطريق نحو تحقيق ذلك صعب جداً بسب تجربتهم القاسية مع تفسيرات دولة الإحتلال للقرارات الدولية، فقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها الـ 67 صدر بتاريخ 29 نوفمبر2021 والذي يوافق اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وحيث أن فلسطين خضعت لنظام الوصاية في ميثاق الأمم المتحدة بالفصل 12 في المادتين (86-85) والفصل 13 في المادتين (86-91)، فإننا نجد من خلال فهمنا للمادة (76) وتطبيقها على الحالة الفلسطينية، أنها وضعت التزاماً دولياً وقانونياً على المجتمع الدولي بالعمل على ترقية الشعب الفلسطيني بالوصاية على نفسه في أمور حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وإعطائه حكماً ذاتياً أو إستقلالاً حسبما يلائم الظروف الخاصة به.

تمتعت فلسطين بمقومات الشخصية القانونية الدولية حتى في عهد الانتداب البريطاني، من حيث إصدار صك يعهد بإدارة فلسطين لبريطانيا؛ بناء على اتفاق دول الحلفاء على تنفيذ تصريح ملكي بريطاني صدر في عام 1917 تحت مسمى وعد بلفور، رغم أن المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم المتحدة أكدت طابع الانتداب وفقاً لمرحلة تطور الشعب والوضع الجغرافي للإقليم وظروفه الاقتصادية والظروف المماثلة الأخرى، كما استوفت فلسطين أيضاً كافة الشروط المنصوص عليها في معاهدة مونتفيديو لعام 1933 عن حقوق وواجبات الدول التي تقنن الاتفاقية النظرية التصريحية للدولة بإعتبارها مقبولة كجزء من القانون الدولي العرفي.

بشكل عام، ولغايات قبول عضوية فلسطين في الجمعية العامة، يجب صدور قرار بذلك من الجمعية العامة بتوصية من مجلس الأمن، وينصرف هذا الشرط على قبول الدولة الراغبة في الانضمام دون تحفظ على جميع الالتزامات الواردة في الميثاق الأممي، وقد الزمت المادتان 58 و135 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمن الدول الراغبة في الانضمام أن تقرن طلبها بتصريح رسمي بقبولها كافة الالتزامات الناشئة عن الميثاق، وحتى تستطيع الانضمام، يجب حصولها على أصوات إيجابية لـ 9 أعضاء في المجلس من أصل 15 عضو، بشرط ألا يصوت أي من الأعضاء الدائمين الخمسة ضد الطلب، وتأتي المشكلة الحقيقية في رفض قبول فلسطين عضواً في الجمعية العامة من رفض الولايات المتحدة لذلك، كونها دولة داعمة للاحتلال، مما يضع دولة فلسطين أمام خيار اللجوء الى محكمة العدل الدولية لضمان توصية مجلس الأمن بقبول العضوية، وعندها، ستنظر الجمعية العامة في مسألة إذا كانت فلسطين صاحبة الطلب دولة محبة للسلم وقادرة على الوفاء بالالتزامات المنصوص عليها في الميثاق وراغبة فيه، وبعدها سيبت بالطلب بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين.

وبالتركيز على موضوع دور الجاليات الفلسطينية في الضغط على الحكومات للتصويت لصالح قبول فلسطين كعضو في الجمعية العامة، نقول إنه موضوع في غاية الأهمية؛ لأن الإرادة الشعبية القوية أينما تواجدت تستطيع تغيير الكثير من القرارات حتى المصيرية، ويتوقع أن تستجيب حكومات كثيرة للمطلب الفلسطيني المتكرر، فالشعب من الأدوات التي يمكن بواسطتها يتم الضغط على حكومات العالم، وإقناع المتردد منها في تغيير سياساتها وإتباع نهج إيجابي، فوحدة صوت الشعب وكلمته الثابتة ومبادئه الراسخة يمكن أن تنتصر لصالح القضية وأن يحقق الإنتصارات دون استخدام الرصاص، فالصوت الحر يؤثر أكثر من الرصاص.

ما يميز القضية الفلسطينية عن غيرها، فهي أن الجميع، من شعب فلسطيني يعيش على التراب الفلسطيني، الى شعب فلسطيني يعيش في الخارج "جاليات فلسطينية"، الى شعوب دول العالم العربي والإسلامي، ينظر جميعها للقضية على أنها القضية الأهم عربياً وإسلامياً وإقليمياً والعالم أجمع، لذا، فإن هذه الجاليات والشعوب المساندة لها قاطبة تستطيع الضغط على حكومات العالم للتصويت على قرارات تصب لصالحها، وقد يكون للجاليات الفلسطينية التأثير الأكبر، ويعتمد هذا بالدرجة الأولى على حجم الانتماء للتراب الفلسطيني، والايمان الحقيقي بحتمية قيام دولة فلسطينية مستقلة في يوم من الأيام، ويرتكز هذا الأمل في مدى قدرة الجاليات الفلسطينية على إستمرارية مناداة حكومات العالم واقناعها بحق فلسطين بهذه العضوية، حالها كحال بقية الدول الأعضاء؛ لأن فلسطين كما قلنا تتمتع بالشخصية القانونية والدولية مما يؤهلها في ممارسة كافة الحقوق والالتزامات والواجبات الملقاة على عاتقها.

فيما يتعلق بتعريف مفهوم جماعات الضغط، فإن ذلك يعتمد على المنهجية العلمية المتخذة في تحديد عناصر عمل هذه الجماعات، بالتالي، يمكن تعريف الجاليات الفلسطينية على أنها تلك الجماعات المتصفة بنوع من التنظيم والممارسة السياسية البارعة في التأثير على صناع السياسات الرسمية في سبيل تحقيق هدف تسعى إليه من خلال قوتها التأثيرية وصوتها الموحد وايمانها بعدالة قضيتها، أو أنها جماعات متجانسة منتشرة في معظم دول العالم، تجمعها مصالح مشتركة وتنشط في تحقيقها، وتستخدم الجماعة ما تملكه من وسائل حديثة كالإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا، وتتباين في زخم نشاطها واساليبها في الضغط من دولة إلى أخرى بناء على درجة تطور وتعقد ظروف إقامتها في تلك الدول، ورغم إختلافها فيما بينها في الحجم والثروة والقوة والأهداف لكنها تتشابه في وسائلها في ممارسة الضغط على السلطات والحكومات، لصالح ما تنادي به.

لا ينحصر دور الجاليات الفلسطينية في الضغط على حكومات الدول الأخرى لإستصدار قرارات تأييد لصالح القضية الفلسطينية، بل في كشف أساليب دولة الإحتلال وزيف إدعاءاته ضد الشعب الفلسطيني، وفضح ممارساتها التوسعية وفي عرقلة أي جهد فلسطيني في تطبيق القرارات الدولية على الأقل، لذا، فإن معظم الجاليات الفلسطينية في العالم هي جاليات مثقفة تضم أعداد كبيرة من الصحفيين والأكاديميين ورجال الأعمال وباتت تمتلك وسائل اقناع وقدرة على توفير كافة الأدلة والبراهين والحجج التي تؤيد وجهات نظرها، كما تقوم بين الحين والأخر، من ناحية ميدانية، على تنظيم مسيرات ووقفات أمام مكاتب المنظمات الدولية وسفارات الدول الكبرى بعد دعوة وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات ومحطات تلفزة وجاهية والكترونية للتعبير عن وجهات نظرها حيال مسائل سياسية معينة، ومن ناحية إعلامية تنموية، على عقد المؤتمرات والمناظرات الإعلامية المرئية والمكتوبة وجمع الدعم والتبرعات لصالح إقامة مشاريع تنموية إنسانية تعزز من تثبيت قدم مواطن الداخل على أرضه وترفع من معنوياته في سبيل تحقيق حياة كريمة ولو بحدها الأدنى.

ختاماً، إن الكل يدرك، أن مسألة إنضمام دولة فلسطين الى الجمعية العامة للأمم المتحدة هي مسالة وقت ليس الا، وأن لا أحد ينكر الجهد الملقى على عاتق هذه الجاليات (إضافة للجاليات العربية الأخرى) في عكس الظلم المرير الواقع على الشعب الفلسطيني جراء إحتلال أراضيهم ومصادرة سيادتهم عليها، وإبراز حقهم التاريخي في أن تكون لهم دولة مستقلة على ترابهم الفلسطيني وتكون عاصمتها القدس الشريف.

*أستاذة القانون المدني/ جامعة جدارا سابقاً، أكاديمية وباحثة في الشؤون القانونية والسياسية، عضو اتحاد الكتاب والصحفيين العرب في أوروبا، مكان العمل: عمان/ الأردن.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).