"كافر".. ولو ليوم واحد..!

{title}
أخبار الأردن -

علاء الدين أبو زينة

ثمة مشهد تمثيلي عبقري يؤديه الفنان وكاتب السيناريو المصري محمود البزاوي. المكان موقع تصوير فيلم عن بدايات الإسلام. ونرى، جالسا إلى مائدة، ممثلا سمينا منير الوجه مترف الملابس، عليه سيماء الجاه والغنى، نفهم أنه يلعب دور “أبو جهل” في الفيلم. وإلى جواره يجلس ممثل آخر نحيل، رث الملابس بائس السحنة. وبينما يستعد الطاقم لتصوير اللقطة، يتساءل المخرج غاضبا عن سبب تواجد الممثل النحيل الرث في كادر الكفار. إنه يرتدي ملابس المسلمين ويجب أن يكون مع مجاميعهم (الكومبارس الذين يلعبون أدوارهم).

لكن الممثل الكومبارس البائس يتوسل إلى المخرج بحرارة أن يعطيه دورا مع الكفار، ويعرض تقبيل يديه ليسمح له بالتمثيل معهم، ولو ليوم واحد في حياته. ويجعل إلحاح التوسل المخرج يوافق على نقله إلى جماعة الكفار ويأمره باستبدال زيه بزي الكفار. وعندما يعود ويجلس مع “أبو جهل” إلى المائدة العامرة ويوعز المخرج بالتصوير، ينقض الممثل البائس بيديه وأسنانه على فخذ خروف مشوي وينهشه بلا رحمه. وعندما يسأل “أبو جهل” عن طريقة لإيقاف محمد، كما يتطلب الحوار، لا يجيب “الكافر” المستغرق تماما في افتراس اللحم. ويكرر “أبو جهل” السؤال مرتين وثلاثة، قبل أن يجيب زميله من فم محشو يتساقط منه الطعام: “نقتله بالسيف”.

نفهم بعد ذلك لماذا أراد الممثل الكومبارس أن يكون مع الكفار، حتى لو ليوم واحد. نعرف أنه لم يأكل لحما منذ 15 عاما من عمله في أدوار الكومبارس. ويقول أن مظهره الطيب البسيط يجعلهم يختارون له دائما أدوارا مع البائسين، فيحرم حتى من الامتيازات “الزائفة” في مواقع التصوير.

صحيح. لماذا تصور الأعمال الدرامية العربية المسلمين كأناس نحيلين، جائعين وبائسين، بينما الكفار دائما سمينون، ضخام وأقوياء، وأمامهم جبال من الطعام؟ كما يلاحظ الممثل المصري بيومي فؤاد في حوار لاحق مع محمود البزاوي، يلبس المسلمون دائما ملابس بيضاء (لون الاستسلام)، بينما يلبس الكفار الملابس السوداء المهيبة المرعبة. (ابن لادن والظواهري ارتديا الأبيض، و”داعش” اختاروا الأسود).

تكمن عبقرية المشهد في أنه يلامس تشابهات تكاد تؤشر على نمط بين مسلمي البدايات ومسلمي اليوم –وربما إسقاطات اجتماعية تتصل بالسلوك الاجتماعي للطبقة. في الغالب، يكون الفقراء في مجتمعاتنا متدينون ملتزمون، خلافا لمعظم أفراد الطبقات الوسطى أو العليا. وبطريقة ما، قد يرى الفقراء المتدينون “كفرا” في سلوك الطبقات الأعلى المترفة، صاحبة الامتيازات الأقرب إلى العلمانية. ولكن، سوف يتمنى “المسلم” من الطبقة الدنيا في أعماقه أن يكون “كافرا” ولو ليوم واحد، ولو تمثيلا، عله يتذوق طعم الغنى.

على مستوى آخر، وباستثناء الحقبة التي تسيد فيها المسلمون، ما تزال “مجاميع” المسلمين في العالم تعرض إلى حد كبير حالة شخصية محمود البزاوي في المشهد الجاهلي. إنسوا مظاهر دول النفط المتمثلة ورفاه المواطنين الشكلاني، وخذوا “العالم الإسلامي” بهذه الصفة المفروضة عليه. إنه فقير وضعيف ونحيل وجائع أمام معسكر “الكفار” عالي الصوت، قوي الساعد، عامر الموائد، حتى ليود المرء أن يكون “حرفيا”، مع “الكفار”، ولأكثر من يوم. لذلك يبذل الكثيرون من “مجاميع المسلمين” الكومبارس في مجتمعاتهم وحيث القلة

2 / 2

فقط أبطال يتمتعون بالامتيازات، محاولات يائسة ويقبلون يد أي مخرج، من أجل الهجرة إلى “الكفار” ومشاركتهم اللحم على موائدهم.

وحتى المسلمين المترفين في المجتمعات الريعية، الذين يقايضون حريتهم بالأمن، ثمة شعور لا يمكن إنكاره –حتى هناك- بالدونية عندما يتعلق الأمر بـ”الكفار”. يحدث ذلك على المستوى الفردي والجمعي. ثمة التطامن أمام “المركز”، الحضاري، الصناعي، التقني، الديمقراطي، المعرفي، العسكري، الحر -الذي يعرف نفسه بأنه، وينظر إليه على أنه، المهيمن المتفوق. أما الذين ينجحون في الالتحاق مكانيا بالغرب ويحالون التماهي، فيظلون غالبا “كومبارس” في مجتمعات الآخرين. يخلعون الثوب الأبيض ويرتدون البدلات السوداء، لكنهم يجلسون إلى طرف المائدة. وحتى اللحم على موائد الآخرين يمكن أن يكون محرما أو ليس مذبوحا على الطريقة الإسلامية.

إننا نشارك في تنميط المسلمين مثلنا مثل نقيضنا الحضاري، وبطريقة فريدة. ليس هناك تقريبا مجتمع آخر في العالم يعرف بالدين (باستثناء يهود الصهيونية). لا نعرف عن العالم المسيحي، العالم الوثني، أو العالم البوذي. ويبدو أن نية خبيثة تكمن وراء التصنيف الذي يفرح به المسلمون ويستخدمونه بلا وعي. في الحقيقة، ليس ثمة مشتركات مهمة بين المسلم في لبنان والمسلم في باكستان، ولا يمكن أن تكون هذه المشتركات قريبة من مثيلاتها بين أبناء الوطن من مختلف العقائد. ومع ذلك، ثمة إصرار على اختلاق مشترك، فقط لتلوين الصورة النمطية التي يرسمها، حتى المخرجين وكتاب السيناريو العرب، ناهيك عن الإستراتيجيين الغربيين. في النهاية، “المسلمون” بمئات ملايينهم، لا يتفاهمون ولا يجرؤون على تحرير أحد أقدس مقدساتهم، لأن السارق الصهيوني في عهدة “الكفار”، حتى لو كان مجرد كومبارس في كادرهم يلبس الأسود ويأكل من الموائد العامرة. أما المسلم، فيتمنى فقط أن يلعب دور الكافر ولو ليوم، كي يجلس بمظهره الناشز معهم، ويفتي بطريقة لقتل النبي.

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير