تشوهات الطرق!
المُسافر من أقصى مُحافظات الشمال إلى أقصى نقطة في جنوب المملكة، يرى بأم عينيه، وبوضوح تام كرؤية القمر وقت البدر، تشوهات الطُرق في مُختلف مناطق البلاد.. ولا أقصد هُنا عدم جاهزية الشوارع التي يسلكها المواطن، فمعُظمها مُتهالكة، وغير المُتهالك منها تمتاز بوجود حفر فيها، و”مطبات” غير طبيعية، وإن ما أعنيه هو خلو حافتي تلك الطُرق من أي شجرة، يستطيع أن يستظل بظلها المُسافر.
أيعقل أن تكون هُناك طُرق، يتجاوز طولها الخمسمائة كيلو متر، حافتاها تفتقر لوجود أي نوع من الأشجار؟، والجميع يعلم ما يعني وجود مساحات خضراء، أو بمعنى ثان فوائد زراعة الأشجار، فهي تُساعد على خفض درجات الحرارة، وتحسين جودة الهواء، وتُساهم في مُكافحة تغُير المناخ، بالإضافة إلى ما تُضفيه من جمال على الطبيعة.
هل تذكرون طريق إربد - جرش- عمان القديم؟، حيث كانت الأشجار الخضراء تملأ جانبي هذا الطريق، بشكل خلاب يجعل من مُرتاديه، يشعرون وكأنهم في رحلة، فتبُهر أعينهم بجمال الطبيعة الخلابة، ناهيك عن الشعور بالهدوء والاسترخاء.. لماذا لا نجعل كُل طرق المملكة كذلك الطريق؟.
زراعة الأشجار، أيًا كان نوعها، تُساهم، بطريقة أو أُخرى، بالتغير المناخي بشكل إيجابي، أو على الأقل تقليل درجات الحرارة.. ولنا في ذلك خير مثال، رئيس دولة الإمارات العربية المُتحدة الراحل سمو الشيخ زايد بن آل نهيان، الذي كان دومًا يولي زراعة الأشجار أهمية كُبرى، على جنبات الطرق في بلاده، إلى درجة أنها ساهمت في تخفيض درجات الحرارة بنحو أربع درجات مئوية، خلال فترة حُكمه.
بعيدًا عن كُل ذلك، وعلى الرغم من أنه جد مهم، لن تستيطع عائلة تسلك طريقًا من مُعظم طرق المملكة، بُغية زيارة أم أو أب أو أخ أو أخت في مُحافظة من مُحافظات الجنوب، أن تأخذ قسطًا من الراحة، تحت ظل شجرة، يشعر من خلالها بالهدوء، خصوصًا أنها تقطع مئات الكيلو مترات للوصول إلى مُبتغاها.
يبدو أن المسؤولين في هذا البلد، لسان حالهم: “أُذن من طين، وأُخرى من عجين”، فبعد أن قاموا بتشويه المدن والمناطق المُحيطة بها، بمادتي الأسمنت والحديد، إلى درجة أصبح معها جُل المواطنين يسكنون في شقق سكنية “مُغلقة”، وكأنها عبارة عن عُلب “سردين”، مُصطفة بطريقة أقل ما يُقال عنها بأنها غير مُنتطمة.
بعيدًا عن كُل ذلك، ها هم يضعون على أعيُنهم غشاوة، وأياديهم على آذانهم، خوفًا من أن يسمعوا أو يُشاهدوا، ما اقترفوه “إثمًا” بحق طُرق المملكة، خصوصًا الرئيسة منها، والتي تربط شمالها بجنوبها، أو شرقها بغربها.
زراعة الأشجار على جانبي الطُرق، أمر في غاية الأهمية، فبعيدًا عن كُل الفوائد الذي ذُكرت سابقًا، فمن شأنها إعطاء صورة جمالية رائعة، فضلًا عن أنها سبب رئيس في جذب المواطنين للشعور بالراحة على أقل تقدير، والاستمتاع بـ”خضرة” الطبيعة.. حتى أنها تُسهم في تخفيض الأضرار الناجمة عن المُنخفضات، فمثلًا لو كان هُناك أشجار كثيرة، عندما شهدت المملكة، مؤخرًا، سقوط حبات “برد” حجمها كبير، لكانت الأضرار حتمًا “أقل”.
إنشاء طرق جديدة، أو تعبيدها أو إعادة تأهليها، بشكل يواكب التطور العالمي في هذا الشأن، أمر يستحق الثناء والشكر، لكن الطريق وجانبيها ينقصها الكثير من الجمال الطبيعي.. فنحن بموضوع الطُرق، نتشابه بذلك الشاب الذي يتزوج بفتاة، ويسُكن في بيت، من أجل بناء حياة زوجية جديدة، لكن هذا البيت عبارة عن غرفتين مع منافعهما، بلا أي لمسة جمالية، أو يشتمل على مساحة خضراء، ولو صغيرة.
في الأمد القريب، كان كل بيت من بيوت المملكة، يشتمل على مساحة تُخصص لزراعتها بأشجار مُثمرة، مثل الليمون والزيتون والتوت أو الكرز، وما إلى ذلك من أشجار ذات فائدة، أو حتى أشجار زينة تعطي جمالًا أو على الأقل لمسة منه، تجعل من البيت وكأنه عبارة عن جنة على الأرض.