أحزاب اللحظة السياسية في الأردن
عبدالله الجبور
عرفت الأردن الممارسة السياسية الحزبية بمفهومها الحديث، أثناء تأسيس إمارة شرق الأردن (١٩٢١) وكانت معارضة الإنجليز لقيام حياة سياسية فاعلة على الأرض الأردنية؛ دور فاعل في تكوين أحزاب المعارضة التي كانت كبقية الأحزاب العربية في ذلك الوقت، تنشأ للتحريض على نظام الحكم الأجنبي أكثر منها أحزاب نشأتها لغاية التكتل التصويتي والتأثير في صناعة القرار، أي أنها أحزاب استقلالية تجد في الحكم الذاتي خطوة أولى لبناء الدولة، والمختلف في التجربة الحزبية الأردنية، أنها كانت تطالب منذ البداية بثنائية الاستقلال وبناء الدولة معًا، ويوثق ذلك بشكل جيد عارف العارف سكرتير مجلس النظار الأردني في يومياته المنشورة مؤخرًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
رغم معارضة الإنجليز لعمل الأحزاب في شرق الأردن والتحفظ على برامجها المطلبية ومحاولة عرقلتها؛ ساهمت الأحزاب السياسية الأردنية بتسريع وتيرة الاستقلال ، فمنذ نشوء حزب الشعب الأردني عام ١٩٢٧ (أول حزب أردني معارض) حتى الاستقلال عام ١٩٤٦ والأحزاب السياسية لم تهدأ في تشكل مجموعات ضغط مكثفة ومركزة ضد حكومة الانتداب البريطاني.
كانت الأحزاب السياسية الأردنية قوية من حيث التنظيم والاتصال السياسي، ولكن عدد كبير منها كان متأثراً بمشروع المد القومي في الخمسينات والستينات، فكانت الأولويات بعد التخلص من الإنجليز الشروع بنشر التوتاليتارية أو الشمولية، وهو فكر سياسي يصتدم بالنظام النيابي الملكي، خصوصًا في منطقة كانت تشهد تدخلاً سوفييتيا، وتداخلاً عربيًا يتحالف ضد الأنظمة الملكية في المنطقة العربية، وكان لذلك دور في تجميد العمل الحزبي أكثر من مرة، وساهم كل من الفراغ السياسي وعدم الاستقرار التشريعي في كهولة الأحزاب مبكرًا وضعف قدرتها على مواكبة وعصرنة العمل السياسي، وهذا واضح في مرحلة استئناف الحياة السياسية بعد العام ١٩٨٧ حيث توجه عدد كبير من الأحزاب السياسية الأردنية نتيجة لضعف الفكر السياسي إلى استيراد نماذج حزبية ناجحة في دول صناعية أو ليبرالية، مثل المحافظين والديمقراطيين والديمقراطية الاجتماعية واليمين المرتفع والمنخفض، وأحزاب المبادئ المتعلقة بالطبيعة والمساواة وغيرها.
يمكن مقارنة أحزاب ما قبل «١٩٨٧» وما بعدها، بأن الأحزاب القديمة كانت تعرف وتدرك وتخطط لماذا تريد، كما أن لديها حد أدنى من التفكير والتنظير السياسي يمكنها من الإجابة على سؤال الكيف؟ بعد سؤال الماذا؟ وتمتلك مهارات التنظيم الحزبي ومخاطبة الجماهير، وبناء قواعد اجتماعية وخلق مناطق ولاء حزبية، على العكس من الأحزاب الجديدة، التي كانت بموقعة المفعول به أكثر من موقعة الفاعل.
بطبيعة الحال لا يمكن توجيه كامل اللوم على الفاعلين السياسيين في المشهد الحزبي الراهن، فالظروف السياسية والتغييرات والتقلبات الاقليمية والجيوسياسية وضعف الثقافة السياسية وغياب استراتيجية وطنية للتنمية السياسية؛ كلها عوامل ساهمت في إضعاف المؤسسة الحزبية وتكبيلها، الأمر الذي جعلنا أمام «أحزاب موسمية»، تتفاعل في مساحتها الصغيرة مع المطالب الكبيرة في ظروف سياسية مرحلية.
هل يمكن أن تكون الأحزاب السياسية الأردنية قوية؟ بكل تأكيد الإجابة نعم، ولكن ليس بشكل آني، أي أن تقوية المؤسسة الحزبية الأردنية يتطلب توافر مجموعة من الشروط، أهمها عمل بيداغوجي متدرج ومناخ سياسي صديق للفعل السياسي الديمقراطي، واستقرار تشريعي، ومحو الأميات السياسية، والاستثمار الحقيقي بالشباب السياسي، وهذا كله مرهون بإيمان أصحاب المصلحة بأن المؤسسة الحزبية القوية تعني بالضرورة جدارة سياسية في السلطة التنفيذية والتشريعية، وأن تغير المناخ السياسي المفاجىء يهدر جهود كبيرة، وأن الديمقراطية المقيدة – بتعبير كتاب البروفيسور علي محافظة – هي بمثابة استغفال لشعب أصبح من الصعب استغفاله بعد كل الدروس السابقة للتحول الديمقراطي التي وصلت إلى ٣٥ عام دون تحقيق المطلوب منها.
يمكن وصف الحالة السياسة الحزبية الأردنية اليوم بأننا أمام مجموعة من المؤسسات الحزبية الموسمية العاجزة عن التأسيس لبناء فكري وقاعدي للمؤسسة الحزبية وبرنامجها السياسي، ومن جهة أخرى تردد وتقلب للمناخ السياسي وفقدان الثقة واليقين، وهذا ينطبق مع ما ذهب إليه في وقت سابق عالم السياسة الأمريكي «ديفيد ايستون David Easton» الذي يرى وجوب تبسيط الحياة السياسية المعقدة، والتعامل معها على أنها مجموعة من التفاعلات التي تتم في إطار النظام السياسي من ناحية، وبينه وبين بيئته من ناحية أُخرى، بالتالي يحتاج النظام السياسي الأردني إلى مقاربة ورؤية جديدة استراتيجية قائمة على الثقة والتجدد، بحيث تنشأ أرضية خصبة حاضنة لعملية ديمقراطية وسياسية آلية ديناميكية، تنمو بشكل طبيعي وتلقائي تخدم الصالح العام والأجيال القادمة.
نحن بحاجة إلى تجديد سبل التعاقد بين الدولة والمجتمع، وبين المجتمع السياسي والفرد، وهذا هو الحل الوحيد للمضي قدمًا بنيابية ملكية قائمة على المواطنة والتجدد الديمقراطي.