امنحوا الأحزاب وقتا كافيا واتركوها تنضج

{title}
أخبار الأردن -

أحمد حمد الحسبان

يبدو أن الحالة الشعبية والرسمية قد تجاوزت إطار النقد البناء للأحزاب السياسية الأردنية. وتنكرت للواقع السياسي العام الذي كان ينظر إلى العمل الحزبي نظرة تقترب من الخروج عن ثوابت الدولة.

فالصورة الراهنة تؤشر إلى ضغوطات تمارس على الأحزاب لتسريع نضجها ومواكبة مواعيد قانونية واشتراطات محددة مسبقا واتهامات بتخلفها عن ركب ما هو مرسوم أو محدد من قبل مشرعين وسياسيين ليس لهم أي تجارب حزبية سابقة.

اللافت أن الغالبية العظمى ممن يتندرون بالحالة الحزبية لا يتعاملون معها كتجربة تحتاج إلى وقت وبيئة مناسبة وتأهيل وتثقيف حزبي لإخراج الشارع من حالة رفض التحزيب واعتباره شأنا خارجا عن المألوف إلى اقناع الناس بفوائده وانعكاساته الإيجابية على الوطن والمواطن.

فالمشكلة الرئيسية هنا تتمثل بتراكم التجارب الرسمية والشعبية التي تجعل من الأحزاب ممارسة خارجة عن المألوف. وهي تجارب تعود إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما شجعت الدولة حزبا إسلاميا هو "جماعة الاخوان المسلمين" وسمحت له ودعمته من أجل الوقوف في وجه المد اليساري والقومي الذي اجتاح المنطقة العربية في تلك الحقبة.

وقد اسفرت تلك الخطوة عن تعمق التجربة الحزبية لـ"الجماعة" ولبعض الأحزاب القومية واليسارية التي مارست نشاطا ممنوعا، وسريا في كثير من الأحيان، بينما غاب النشاط الحزبي البرامجي بصورة شبه تامة، وشجعت الدولة ذلك الغياب.

المدقق في تفاصيل المشهد يرى أن الشارع الأردني ما يزال قريبا من تلك الحالة، فالسلبية التي يتعامل بها مع العمل الحزبي انعكست على مستوى الاستقطاب، ولم تفلح الدولة من خلال القانون الجديد الذي تعتبره ذروة مشروع الإصلاح السياسي من تشجيع العامة على الانخراط في الأحزاب.

ويبدو أنها ـ ودون أن تشعر ـ جعلت من بعض الشروط المطلوبة لتسجيل الأحزاب من جديد عقبات تحول دون زيادة عدد الحزبين وانخراطهم في النشاط السياسي. وللاستشهاد على ذلك فيمكن النظر إلى أعداد المتحزبين على مستوى المملكة، والذين تشير أرقام رسمية إلى أن عددهم لم يتخط الأربعين ألف حزبي، وأن هذا الرقم لم يرتفع مع القانون الجديد وبعد أن انخفض عدد الأحزاب إلى النصف وتضاعف عدد المؤسسين.

أما النص على نسبة من الشباب والنساء من بين المؤسسين فقد حول العملية الحزبية إلى عائلية في بعض الأحيان، وإلى "حشوات" في أحيان أخرى.

كل ذلك زاد من حدة النقد الموجه للأحزاب، وللحركة الحزبية، مع أن المطلوب أن يسمح لها بالتفاعل والحراك ضمن أجواء مريحة وبعيدا عن الضغوط. فالحالة الراهنة لا يمكن أن تنتج أحزابا بمواصفات عالية ضمن المدى المرسوم في القانون. فالحزبية الناضجة تحتاج إلى وقت أطول، وإلى حراك أكثر عمقا، وإلى تجارب تراكم العرف السياسي وتكون نتائجها مشجعة على تعمق العمل الحزبي.

فعلى مشارف الشهر الأول من عمر الأحزاب الخاضعة للقانون الجديد، بدا واضحا ان المستكملة للشروط والمسجلة رسميا تعيش حالة من الحراك الداخلي. ما يعني أن الخريطة الحزبية ما تزال لم تتشكل بصورة نهائية بعد. فهناك أحزاب ستتقدم بطلبات ترخيص جديدة، وأخرى ستلجأ للقضاء من أجل استكمال ترخيصها، وأحزاب أخرى قد تخرج من دائرة العمل الرسمي تحت ضغوطات داخلية تهدد بانقسامها وغيرها قد تتغلب على خلافاتها الداخلية. 

وفي مسار آخر، هناك حراك حزبي نشط داخل بعض الأحزاب، وبخاصة التي لم تفلح في الاندماج، الأمر الذي قد ينتج حالات دمج ترفع عدد الأحزاب المرخصة.

الحراك الداخلي ضمن إطار البيت الحزبي اتخذ أشكالا متعددة، أبرزها التحفظ على بعض القيادات الحزبية في تشكيلتها الجديدة، حيث خلت غالبيتها من العناصر الشابة، واقتصرت مواقع الشباب والمرأة على بعض ما هو هامشي. بينما أشغلت المواقع العليا من قبل قيادات سابقة في الأحزاب المشكلة من قبل، أو من شخصيات كانت أشغلت مواقع رسمية في حقب سابقة.

واللافت هنا ما تسرب من خلافات داخل أحد الأحزاب التي تشكلت نتيجة اندماج حزبين مرخصين سابقا على خلفية إسلامية، ومن رحم جماعة الإخوان المسلمين. فالمعلومات تتحدث عن خلافات داخل الحزب واتهامات باستئثار أحد" الحزبين" بالمواقع القيادية وعن مشاريع انسحابات واستقالات منتظرة.

في المقابل هناك صورة أخرى مشجعة، حيث تنازلت قيادتا حزبين" يساري وقومي" طوعا عن المواقع التي كانا يشغلانها سابقا لصالح قيادات جديدة شابة.

لذلك كله نقول اتركوا الأحزاب تأخذ وقتها ولا تستعجلوا إنضاجها. فنقص الخبرة الحزبية يحتاج إلى حراك ووقت كاف. فامنحوها هذا الوقت. 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير