الأوربيون يسحبون المليارات من البنوك
مع استمرار مسلسل انهيار البنوك الأميركية الإقليمية الصغيرة والمتوسطة، يخشى البعض في السوق من انتقال العدوى إلى أوروبا، إلا أن السلطات الأوروبية تصر على أن وضع القطاع المصرفي في دول منطقة اليورو جيد وليست هناك مخاوف مماثلة لما يحدث في الولايات المتحدة، وفي موسم الإفصاحات المالية للربع الأول من العام في الأيام الأخيرة أعلنت أغلب البنوك الكبيرة عن عائدات وأرباح جيدة على رغم أزمة الانهيارات في أميركا.
من العوامل الأساسية التي أدت إلى انهيارات البنوك الأميركية منذ منتصف مارس (آذار) هو تعرض بنوك مثل "بنك سيليكون فالي" وبنك "سيغنيتشر" ثم هذا الشهر بنك "فيرست ريبابليك" و"بنك باك ويست" وغيرها إلى تراجع السيولة بشدة نتيجة سحب العملاء إيداعاتهم من تلك البنوك بكثافة، وحين تحاول البنوك المتعثرة توفير رأس المال تضطر لبيع أصول بأقل كثيراً مما اشترتها به فتزيد خسائرها وتنهار.
ومنذ مارس الماضي زاد سحب الأوروبيين إيداعاتهم من البنوك في دول منطقة اليورو وبريطانيا بشكل ملحوظ، لكن ذلك لا يرجع، حسب تقرير لوكالة "رويترز"، إلى مخاوف انهيار البنوك في أوروبا بل لأن الناس ترى أن أغلب أرباح البنوك العالية تعود إلى رفعها الفوائد على القروض تماشياً مع رفع سعر الفائدة الأساسية من قبل البنوك المركزية، لكنها لا ترفع الفائدة على إيداعات العملاء، بالتالي يلجأون إلى سحب أموالهم من البنوك بحثاً عن منافذ استثمار توفر عائداً أفضل من الفائدة على الادخار في المصارف.
الهروب من البنك
يعاني ملايين المودعين في البنوك الأوروبية من عدم ارتفاع الفائدة على مدخراتهم، ولو بشكل يقارب رفع سعر الفائدة الأساسية، ومع ارتفاع معدلات التضخم يبحث هؤلاء عن مكان آخر لمدخراتهم في ما أصبح يشبه عمليات هروب للأموال من البنوك وضخها في صناديق استثمار مالي تحقق عائداً يقارب نسبة الفائدة الرسمية من البنك المركزي.
وفي تعليق على ظاهرة الهروب من البنك يوقل نيقولا مارينللي أستاذ مساعد المالية في جامعة ريجنتس بلندن "على البنوك التقليدية أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تعظم عاداتها وأرباحها بإبقاء الفائدة على المدخرات أقل ما يمكن، أو أن تجعل الأولوية لديها هي الاستقرار وتوفر السيولة بزيادة الفائدة على الودائع والاحتفاظ بعملائها". من بين المنافذ التي ينقل المودعون الأوروبيون أموالهم من البنوك إليها صناديق الاستثمار في الأسهم والعملات، وحسب بيانات شركة "ريفينتيف ليبر" لتحليل معلومات السوق شهدت تلك الصناديق انسياب أموال إليها بلغت في شهر مارس 34 مليار يورو (37.6 مليار دولار)، لتصبح أعلى الأصول إقبالاً في ذلك الشهر، وبلغ حجم تلك الصناديق 1.4 تريليون يورو (1.54 تريليون دولار) نهاية العام الماضي، لكنها تظل بالطبع أقل من الإيداعات لدى البنوك في دول منطقة اليورو سواء الحسابات الجارية ذات الفائدة أو حسابات الادخار التي بلغت 9.45 تريليون يورو (10.41 تريليون دولار) نهاية 2022.
نزيف الإيداعات
لا يقتصر نزيف الإيداعات على البنوك في دول منطقة اليورو، بل تشهد البنوك البريطانية أيضاً هروب الأموال منها إلى صناديق الاستثمار وغيرها من الأصول التي تحقق عائداً أفضل، ففي الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام سحب المودعون 11.1 مليار جنيه استرليني (14 مليار دولار) من بنك "نات ويست" وفي الربع الأول من 2023 انخفضت الإيداعات في بنك"إنش أس بي سي" بنحو 10 مليارات دولار لتصل إلى 1.6 تريليون دولار، بينما سجل بنك "باركليز" انخفاضاً في الإيداعات بنحو خمسة مليارات جنيه استرليني (6.3 مليار دولار) وانخفضت الإيداعات في بنك "لويدز" بمقدار 2.2 مليار جنيه استرليني (2.78 مليار دولار) في الربع الأول من هذا العام.
وفي ألمانيا شهدت الإيداعات في "بوندس بنك" انخفاضاً بنسبة ثمانية في المئة في الربع الأول، أما أكبر البنوك الألمانية، "دويتشه بنك"، فأرجع انخفاض الإيداعات منذ بداية العام بنسبة 4.7 في المئة إلى مخاوف المودعين من انتشار عدوى انهيار البنوك من الولايات المتحدة كما حدث مع بنك "كريدي سويس" في سويسرا.
مع ذلك، يرى كبار المصرفيين الأوروبيين أن نزيف الإيداعات من البنوك لن يؤثر في سلامة القطاع المصرفي، بخاصة للبنوك الأوروبية الكبرى، وفي تعليقه على انخفاض الإيداعات بنسبة 1.6 في المئة في الربع الأول يقول الرئيس التنفيذي لمصرف "يوني كريدي" أندريا أورسيل إن مصرفه يتمتع بوضع جيد في ما يتعلق بالسيولة يجعله قادراً على تفادي أي أزمة ويحافظ على أرباحه. ويشير إلى أن أغلب البنوك الأوروبية تحافظ على قدر من السيولة لديها أعلى مما تتطلبه القواعد التي تفرضها السلطات المالية الرسمية.
لكن كل ذلك لا يخفي حالة التوتر، على الأقل لدى عملاء البنوك من احتمال انتقال عدوى الانهيارات من الولايات المتحدة إلى أوروبا. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى أزمة مالية عالمية في أي لحظة.