صويص يكتب عن "لافارج الفحيص": "رجعت حليمة لعادتها القديمة"

{title}
أخبار الأردن -

د. سليمان صويص

أين وصلت قضية أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت؟ سؤالٌ يطرحه كثيرون، داخل وخارج الفحيص، يُفسّره الصمت والغموض وشحة أو غياب المعلومات عن الموضوع. وكان العديد من أهالي الفحيص ينتظرون مناسبة مرور سنة على انتخاب المجلس البلدي (آذار 2022) لكي يطلعوا على حصيلة عمل المجلس خلال العام الذي انقضى على الأصعدة المختلفة، بما فيها ملف قضية الأراضي.

حتى لا نعود إلى نقطة الصفر، نُذكّر بأن الشركة كانت قد قدّمت طلباً إلى البلدية بتنظيم الأراضي؛ وفي تشرين الثاني 2022، طلبت البلدية من الشركة، من خلال كتاب رسمي، تزويدها بدراسات جيولوجية وطوبوغرافية لأوضاع الأراضي كما آلت إليها بعد 65 سنة من التعدين والتجريف، وكذلك دراسة للأثر البيئي ومجموعة أخرى من الطلبات التي لا غنى عنها حتى تتمكن البلدية من السير قدماً في عملية تنظيم الأراضي.

منذ تشرين الثاني الماضي، وحتى الأسبوع الماضي، يبدو بأن الشركة لم تزوّد البلدية بعد باي من الدراسات التي طلبتها؛ وبالتالي، فإن التقدير الأرجح أن القضية وصلت إلى نقطة معلّقة، اللهم إلّا إذا كان هناك تطورات أو اموراً جرت دون الإعلان عنها، ودون تسرّب أية معلومات عنها. نقول ذلك، لأنه ـ في الأثناء ـ جرت تحركات أو اتصالات حول القضية، لعب فيها الديوان الملكي، بداية العام الجاري، دوراً لا نعرف ماذا كانت نتائجه.

حقيقة الأمر، عدم رد الشركة على طلبات البلدية ليس مفاجئاً للعديد ممن تعاملوا معها، كما أنه ليس الأول من نوعه. هكذا كان دأب لافارج منذ بداية القضية عام 2016؛ تتجاهل أو تتهرب من طلبات البلدية ـ التي هي أساسية للسير قدماً في عملية تنظيم الأراضي ـ ثم تحاول في الخفاء الحصول على ما تريد بأساليب ملتوية وغير قانونية وعبر ممارسة ضغوط. هذا ما فعلته مع المجلسين البلديين السابقين للفحيص، وها هي تجرّب الأسلوب نفسه مع المجلس البلدي الحالي؛ وكأني بشركة لافارج ترفض بعناد استخلاص الدروس الصحيحة من كل ما جرى منذ عام 2016 وحتى اليوم

حتى لا يتهمنا أحد بالتجني أو الإفتراء على شركة لافارج، نستشهد بما يُقال أنه ورد في كتاب وجّهه رئيس البلدية إلى وزير الشؤون البلدية بتاريخ 30/6/2016، وموضوعه «المخطط المقترح لأراضي شركة مصانع الإسمنت الأردنية (لافارج) / الفحيص»؛ وجاء فيه «أرجو معاليكم التكرم بالموافقة والإيعاز لمن يلزم بتزويدنا بأي وثائق أو دراسات بيئية أو اجتماعية أو اقتصادية أو مرورية أو تسويقية تم الإعتماد عليها للخروج بالمخطط المقترح، وذلك حتى نتمكن من استكمال الدراسات ومناقشتها أثناء الاجتماعات المستقبلية لإقرار مذكرة التفاهم والإتفاقيات بيننا».

وبتاريخ 25/10/2016 يبدو أن رئيس البلدية قد بعث إلى وزير الشؤون البلدية كتاباً، يُقال أنه جاء فيه : «في الوقت الذي يؤكد فيه مجلس بلدي الفحيص والمجتمع المحلي على ضرورة الإسراع بقيام شركة لافارج بتنفيذ قرار هيئتها العامة بوقف صناعة الإسمنت في مصنع الفحيص مما أسهم بوقف الكثير من الاضرار البيئية والإجتماعية التي لحقت بأهالي المدينة، فإننا نؤكد لمعاليكم أن شركة لافارج لم تستكمل لغاية الآن الدراسات والتفاصيل والمخططات التي يتوجب عليها إعدادها وتقديمها للبلدية والتي تمكنها من ممارسة دورها بالموافقة على مشروع التنظيم الخاص الذي تطلبه الشركة. وعلى عكس ما جاء في كتابكم، فإن المجلس البلدي وأجهزته الفنية مستمرة بدراسة المشروع المقترح، وهي على استعداد للنظر بما يتوجب على شركة لافارج تقديمه من دراسات فنية ومخططات وصولاً إلى الحالة التي تمكن من إقرار المشروع بشكل متكامل ومتوافق مع شروط وضوابط التنظيم، ومن ثم السير بالإجراءات القانونية اللازمة لوضع مخطط التنظيم الخاص موضع التنفيذ». وتابع كتاب البلدية قائلاً ـ حسب الرواية : «نؤكد لمعاليكم رفضنا لاتهام مجلس بلدية الفحيص بالمماطلة والتسويف، ونؤكد على أن المجلس البلدي كان ولا يزال يمارس دوره فيما يتعلق بمشروع أراضي مصنع الإسمنت بكل جدية وشفافية ووضوح، والإلتزام بالتشريعات ذات الصلة. وأن ممارسة الضغط على المجلس البلدي لن يثنيه عن ممارسة دوره وصلاحياته، بإعتباره لجنة التنظيم المحلية صاحبة الإختصاص وفقاً للقانون».

وبتاريخ 10/2/2019 يقال بأن رئيس البلدية خاطب مدير عام شركة مصانع الإسمنت الأردنية (لافارج)، جاء في المخاطبة ـ كما يبدو ـ ما يلي : «نرجو العمل على تزويد بلدية الفحيص بتقرير «رفع مساحي» شامل لكافة الأبينة والمنشآت الصناعية ومباني الخدمات القائمة على قطع الأراضي المقام عليها مصنع الإسمنت وارقامها. وايضاً تقديم مخططات هندسية تبين كامل المساحات القائمة لكل منشأة ومناسيبها الطابقية وارتفاعاتها، وذلك قبل نهاية شهر شباط 2019، بهدف بيان واقع الحال، وتاكيد مطابقة المخططات الهندسية الفعلية لمختلف المباني مع المساحات المرخّصة وفقاً لقانون الأبنية واي أذونات إشغال صادرة بالخصوص كانت الشركة قد حصلت عليها وتاريخ صدورها».

وهناك ـ كما يبدو ـ كتب ومراسلات اخرى متبادلة بين البلدية ووزير البلديات تشكو فيها البلدية شركة لافارج «عدم جديتها في التعامل مع البلدية»؛ إذ كانت تغيّر مواقفها مراراً بشأن ما كان يتفق عليه مع البلدية.

نتمنى على الأخوات والأخوة في المجلس البلدي الحالي استخلاص الدروس الصحيحة من هذا السلوك الذي لا نريد أن نصفه بصفات غير لائقة، كالقول مثلاً بأنه «سلوك مستهتر» بالفحيص وبلديتها، بل وبالأردن... «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، يقول المثل. القناعة الراسخة لدى الكثيرين من متابعي قضية الفحيص ـ سواء كمؤسسات أو كناشطين أو حتى كمواطنين عاديين ـ هي أن الحزم وحده هو الذي يأتي بنتيجة مع هذه الشركة التي لا تنظر إلى القضية منذ ست سنوات إلّا من «خرم» مصالحها التي تبحث عن تحقيقها من خلال التحايل والقفز عن القوانين والأساليب الملتوية. والغريب، أن اشخاصاً وازنين عقلاء بعيدي النظر نصحوا الشركة منذ عام 2016 بأن مثل تلك الأساليب ليس لها حظ من النجاح مع أهالي الفحيص ومؤسساتها...لكن يبدو بأن «الطبع غلب التطبّع». نغتنم هذه الفرصة للتشديد من جديد على أن من الأهمية البالغة بمكان أن يكون لدى المجلس البلدي «رؤية متكاملة» لكيفية التعاطي مع هذا الملف المصيري بالنسبة للفحيص، وفقاً لمنهجية علمية قائمة على الدراسات والمعلومة الدقيقة؛ والتوقف عن التعاطي معه ﺑ «القطعة»، لأن التفاصيل كثيرة، ولا يجوز الغرق فيها على حساب الرؤية الشمولية المنطلقة أساساً من حقوق ومصالح الفحيص الآنية والمستقبلية.   

لماذا تماطل شركة لافارج في تزويد البلدية بالدراسات المطلوبة ؟ وهل ستحصل على ما تريد من خلال خطوة غير محسوبة تقوم بها البلدية ؟ وماذا يعني «المسح الجيولوجي» للاراضي المقام عليها مصنع الإسمنت، وفقاً للاساليب العلمية الصحيحة المعتمدة ؟ هذا ما سوف نتناوله في مقالنا القادم قريباً.  

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير