كلفة القبول الموازي في الجامعة العربية
انتهينا إلى صفقة مقايضة غريبة من نوعها في عالم العلاقات الدولية وإدارة الأزمات وهي مكافحة المخدرات مقابل مقعد الجامعة العربية!
على الأقل هكذا أفهم من قراءة البيان الختامي للقاء عمان “التشاوري” حول سورية، فالقصة كلها انتهت بتعهد دمشق أن تسيطر وتضبط عملية تهريب المخدرات عبر حدودها “والتي يتم تصنيعها في داخل الجغرافيا السورية” مقابل التفكير الجدي بعودة سورية “بنظامها الذي تأزم العالم كله لتغييره” إلى حضن الجامعة العربية- المؤسسة الإقليمية التي طردت سورية من عضويتها لأسباب ما تزال موجودة.
نعم، القصة ليست بتلك البساطة، والثورة ضد الاستبداد في سورية كانت مطلبا شرعيا للشعب السوري الذي انتهى وحيدا يدفع كلفة كل ما حدث دما وهجرة ونفيا وتشريدا، لكن ما حدث في تفاصيل تلك الثورة من “أزمات عنقودية” وضع النظام في كفة المنتصر وقد تواطأ هو نفسه في تحويل الجغرافيا السورية إلى ميدان صراعات إقليمية شرسة تحقق نظريته الأساس “الأمن أو لا أحد”!
المخدرات، وتهريبها وتوزيعها وإغراق المحيط الإقليمي بها، كانت أحد الأسلحة الفعالة التي إدارتها إيران بالتعاون مع مليشياتها التابعة في سورية وتحت نظر دمشق، وها نحن اليوم ننتهي بصفقة مقايضة تضع كل ما حدث “بكل ما فيه من كلف عالية على المستوى الإنساني” على رفوف التجاهل فقط لتعود سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية.
لا أعتقد أن الوصفة ستنجح طويلا، هناك كثير مما يجب تسويته داخليا في سورية وبين السوريين أنفسهم، والحسابات الإقليمية بإعادة ترتيب الإقليم كله ولملمة أزماته للدخول في حقبة “تكامل إقليمي” جديدة لن تحتمل النار الكامنة تحت رماد الأزمات التي ستتصاعد من جديد بدون حل حاسم ينهي الصراع في سورية وحق الشعب السوري في تقرير مصيره.
المخدرات، لم تكن قضية أمنية بوليسية يمكن معالجتها بمنهجية المكافحة التقليدية، لم تكن تجارة عادية فيها حسابات ربح وخسارة مالية، بل تجاوزتها لتكون إغراقا منهجيا للمنطقة برمتها، مما جعل منها حرب استنزاف خفية تحمل الجيش العربي “القوات المسلحة الأردنية” تكاليف عالية لحماية الإقليم لا الأردن وحده فيها، وهو ما تطلب تسوية سياسية خصوصا بعد التفاهم السعودي- الإيراني، والذي كان ضرورة لخرق الوضع الراهن في أزمات الإقليم كله.
حسنا، هذه خطوة موجعة للسوريين بلا شك، لكن ماذا بعد؟
هل عودة دمشق إلى الجامعة العربية يحسم ملف “القضية السورية” من جذورها؟ هل انتهت المعارضة للنظام السوري، وهل حكومة دمشق قادرة على بسط سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية؟
علينا قراءة التفاهمات مع إيران، التي بدأت بالتفاهمات السعودية المشروطة على طهران وربما سيتبعها تغيرات في السياسة الإيرانية، وبعضها لن يكون في صالح دمشق ولا حلفائها في لبنان.
هل هناك عملية تفكيك “باردة”؟ أم إعادة تموضع لمليشيات إيران “الإقليمية” من اليمن حتى الضاحية الجنوبية مرورا بدمشق؟
لأنها أكثر الأزمات تعقيدا، فمشاريع الحلول ستكون أيضا بذات الدرجة من التعقيد، وعلينا الترقب والحذر.