"بيت العمال": قرابة نصف الشباب الأردنيين عاطلين عن العمل
أصدر المركز الأردني لحقوق العمل “بيت العمال” تقريره السنوي بمناسبة يوم العمال العالمي أشار فيه إلى التحديات غير المسبوقة التي تواجه سوق العمل الأردني، والانحسار الملموس في قدرة الاقتصاد الوطني على استحداث فرص العمل، واستمرار معدلات البطالة في مستوياتها المرتفعة خلال السنوات الأخيرة بصورة غير مسبوقة في تاريخ المملكة، رغم التعافي التدريجي للاقتصاد العالمي وسوق العمل في الأردن والتحسن النسبي في معدلات البطالة في الأردن، والتي انخفضت قليلاً لتصل إلى 22.9% في نهاية عام 2022، بعد أن وصلت إلى 25% خلال عام 2020، وما يواكب ذلك من زيادة تكلفة المعيشة وانخفاض مستوى الدخل فئات واسعة من العمال، بما يؤثر بشكل مباشر على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للعمال والمواطنين في المملكة.
وشدد التقرير على أنه من الضروري في ظل هذا الوضع العمل بجد لإصلاح الواقع الاقتصادي وتحسين واقع سوق العمل، ورفع درجات التنسيق بين أطراف الإنتاج، ومراجعة خدمات التشغيل والتدريب الحكومية وتقييمها، وتحسين ظروف وبيئة العمل والحمايات الاجتماعية، وتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وتحفيز المشاركة الاقتصادية للمرأة، وتحسين مستويات الأجور خاصة للفئات الضعيفة من العمال، والمراجعة الدورية للحد الأدنى للأجور، فضلا عن تنظيم ملف العمالة الوافدة ضمن ظروف عمل نموذجية للجميع خالية من الاستغلال، والتنفيذ الفعال لبرامج الإنتقال من الاقتصاد غير المنظم إلى الاقتصاد المنظم وتوفير الحمايات اللازمة للعاملين فيه، إضافة إلى توفير التأمين الصحي الشامل، وإيجاد حلول لمشاكل النقل العام.
وبين المركز الأردني لحقوق العمل بأن سوق العمل الأردني يعاني من انخفاض شديد في معدل المشاركة الإقتصادية، ففي حين يشكل السكان في سن العمل حوالي (7.419 مليون) نسمة، منهم (5.510 مليون) أردني، و(1.639 مليون)غير أردني، تبلغ نسبة الأردنيين الناشطين اقتصادياً (33.4%) فقط، كما أن هناك أيضا (49.3%) من غير الأردنيين غير نشطين اقتصادياً.
وأن عدد المتعطلين عن العمل يشكل تحديا كبيرا أمام سياسات الحد من البطالة في ظل ضعف إمكانيات استحداث فرص عمل جديدة على نطاق واسع، فمجموع القوى العاملة الأردنية تبلغ (1.8 مليون)، وحجم المتعطلين عن العمل منهم (420 ألف)، حيث تضاعف معدل البطالة للأردنيين خلال السنوات الأخيرة من (11.9%) عام 2014، إلى (22.8%) عام 2022.
وأن معدل البطالة بين الشباب بات مرتفعا بشكل ملفت، حيث بلغ (47.0%)، ويعود ذلك إلى مجموعة من الأسباب، أهمها، ارتفاع أعداد الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنويا نتيجة لتزايد أعداد السكان، إضافة إلى ظروف الاقتصاد الكلي وضعف الاستثمار، وغياب البرامج التي تستهدف مساعدة الشباب للانتقال من مقاعد الدراسة إلى العمل وخلق فرص العمل اللائقة لهم.
وأشار التقرير إلى أنه قد تزايدت في السنوات القليلة الماضية نسبة من يتعرضون للبطالة طويلة الأمد والتي تضعف مهاراتهم، وتزيد من الأعباء الإضافية على كاهل الدولة، فهناك (65.5%) من المتعطلين عن العمل بلغت مدة تعطلهم أكثر من 11 شهر متصلة، وكانت الإناث أكثر عرضة للبطالة طويلة الأمد من الذكور، حيث بلغت نسبة الإناث (72.3%) من إجمالي المتعطلات، مقابل (62.7%) للذكور، وما يثير القلق أيضا أن هناك (195,489) متعطل لم يسبق لهم العمل نهائيا، (45.2%) منهم من الإناث، وهذا يعني أن نسبة كبيرة من المتعطلين يملكون المهارات والخبرات إلا أنهم لا يجدون فرص عمل لائقة تناسب مؤهلاتهم.
ولفت المركز إلى أن هناك تشوه هيكلي في توجهات الأردنيين نحو قطاعات العمل، فتتركز توجهات العمل للأردنيين في أنشطة الإدارة العامة والدفاع والضمان الاجتماعي بنسبة (25.7%)، وفي التجارة بنسبة (15.2%)، والتعليم بنسبة (12.7%)، بينما لا يضم القطاع الصناعي سوى (10.8%) من الأردنيين، والذي من المفترض أن يضم أكبر عدد ممكن من المشتغلين، كما تتدنى نسبة الأردنيين العاملين في أنشطة حيوية مثل الصحة البشرية والخدمة الاجتماعية بنسبة (5.3%)، وأنشطة المعلومات والاتصالات (2.0%)، وأنشطة الزراعة والحراجة وصيد الأسماك (1.8%)، وأنشطة التشييد والبناء (4.4%).
وفيما يتعلق بظروف العمل، بين التقرير بأن نسبة العمال الذين يعملون ساعات عمل فعلية أكثر من 49 ساعة أسبوعياً بلغت (36.8%) من إجمالي العاملين في الأردن، وهناك (48.0%) من العاملين يعملون من 40 – 60 ساعة أسبوعياً يتقاضون أجوراً تتراوح بين 200 – 299 دينار شهريا، كما أن حوالي (8.3%) من العاملين يتقاضون أجوراً تقل عن 200 دينار شهريا أي أقل من الحد الأدنى للأجور، وترتفع النسبة بين الإناث لتصل إلى (14.4%)، وبالمجمل فإن أكثر من ثلث المشتغلين يتقاضون أجوراً تقل عن الحد الأدنى للأجور أو تساويه، وهذه جميعها مؤشرات تدل على أن نسبة كبيرة من العمال لا تتمتع بشروط وظروف عمل لائقة وأن هناك مخالفات واسعة للقانون في هذا الشأن واستغلال للعمالة.
وفيما يتعلق بحمايات الأجور، أوضح المركز الأردني لحقوق العمل بأنه ورغم صدور قرار الحد الأدنى للأجور في شهر شباط 2020 برفع الحد الأدنى للأجور إلى 260 دينار، وعلى أن يتم رفعه على مدى ثلاثة سنوات بما ينسجم مع معدل التضخم، إلا أن الحكومة لم تلتزم بذلك ولم يتم رفع الحد الأدنى منذ ذلك الوقت رغم الارتفاعات المتتالية في نسب التضخم والأسعار، وهي بذلك تخالف قانون العمل من ناحية، ومن ناحية أخرى تخالف أحكام المادة (23) من الدستور الأردني التي توجب أن تضمن الدولة تقاضي العمال أجوراً عادلة، ناهيك عن الآثار السلبية التي تنعكس على الاقتصاد الوطني نتيجة إضعاف القوة الشرائية للشريحة الأكبر من المواطنين.
وفي مجال شؤون السلامة والصحة المهنية، أشار التقرير بأن هناك ضعف في الرقابة الرسمية، وكذلك في تدابير الحماية المقدمة من قبل أصحاب العمل، حيث بلغ عدد حوادث العمل المسجلة لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي عام 2021 (21,176) حادث، وزادت حوادث العمل بنسبة (53.6%) عن العام 2020، وتزايدت أعداد إصابات العمل والأمراض المهنية عام 2021 عن عام 2020 بمعدل (48.0%)، وقدرت نفقات مؤسسة الضمان الاجتماعي في تأمين إصابات العمل عام 2021 بـ(35.5 مليون) دينار، ويعزى ذلك إلى مجموعة من العوامل، من أهمها وجود فجوات تشريعية وتنظيمية في مجال السلامة والصحة المهنية، نتيجة عدم إجراء أي مراجعة لتشريعات السلامة والصحة المهنية لقانون العمل منذ عام 1997، وأن أكثر من نصف مليون عامل و69% من المؤسسات غير مشمولين بالضمان ولا يتم رصد حوادث العمل التي يتعرضون لها، وأن الرقابة على التزامات السلامة والصحة المهنية من قبل أجهزة تفتيش العمل لا تشمل سنويا سوى خمسة آلاف مؤسسة من أصل أكثر من 180 ألف مؤسسة عاملة في المملكة، وهي أمور تؤدي أيضا إلى خسارة 4% من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة تكاليف الإصابات.
ولفت التقرير إلى أنه وعلى الرغم من الحماية التي كفلتها ورعتها الاتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية في الأردن لحماية الأطفال من العمل لا زال هناك ما يقرب من مئة ألف طفل عامل، بعد أن كان عدد الأطفال العاملين في عام 2016 ما يقرب من (76) ألف طفل عامل، من بينهم (44,917) يعملون في أعمال خطرة، ولا يمكن تعليل ذلك بمعزل عن العوامل الإقتصادية التي تعاني منها الأسر وارتفاع معدلات الفقر.
ولمواجهة المشاكل التي يعاني منها سوق العمل، قدم المركز الأردني لحقوق العمل مجموعة من التوصيات، من أهمها ضرورة العمل على تعزيز قدرات شبكات الأمان الاجتماعي وزيادة مخصصاتها وتوجيهها لمختلف الفئات الضعيفة من المواطنين ومختلف الأسر منخفضة الدخل، وتوسعة الشمول بالتأمين الصحي، وتخفيض قيمة الاشتراك في الضمان الاجتماعي، وكذلك توفير الدعم اللازم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للحفاظ على ديمومة عملها وحماية فرص العمل التي توفرها، وزيادة القدرة الشرائية للمواطن وإعفاء السلع الأساسية التي يحتاجها من الضريبة بهدف إنعاش الحركة الاقتصادية.
وفي ظل عدم قدرة سوق العمل الأردني على استيعاب الأعداد الهائلة من الداخلين الجدد وبشكل خاص الجامعيين منهم، أوصى التقرير بأهمية العمل بجد على إصلاح السياسات التعليمية للحد من زيادة معدلات البطالة بين فئة الجامعيين، والتوجه نحو تأهيل العمالة التقنية والفنية التي يفتقد إليها سوق العمل في كثير من القطاعات، وتفعيل التنسيق اللازم مع القطاع الخاص لرصد احتياجاته الحقيقية من التخصصات ومن البرامج التي تنسجم مع المتطلبات الفنية لأعماله، ووضع استراتيجيات وطنية شاملة تجمع بين السياسات والبرامج التعليمية من جهة، وسياسات وبرامج التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني من جهة أخرى، وهي إجراءات سوف تحد من العوامل التي تسهم في الزيادة المتوقعة في معدلات البطالة وتفاقمها وفقدان الوظائف بصورة تنذر بآثار سلبية على الأمن الاجتماعي.
ونظرا لأن المرأة العاملة أكثر عرضة للصعوبات والانتهاكات وفقدان الوظائف، في ظل الانخفاض المزمن في نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية، فشدد التقرير على ضرورة تفعيل تطبيق المعايير الدولية ذات العلاقة بعمل المرأة وحماياتها وحقوقها، والتفاعل بين الحكومة ومنظمات القطاع الخاص لتوفير متطلبات تعزيز وضع المرأة في سوق العمل، وتوسيع الخيارات المهنية لها، واكسابها المهارات والتدريب اللازم، ورفع وعيها بفرص العمل المتاحة، ونشر الوعي بحقوق المرأة العاملة لدى أصحاب العمل، وقواعد المساواة بين الجنسين، وتكافؤ الفرص في إجراءات التعيين والترقية والتدريب، وتفعيل آليات ميسرة ومحفزة لتطبيق أشكال العمل المرن، وتوفير بنية تحتية للعناية الاجتماعية للمرأة العاملة بجودة وكلفة مناسبة (خدمات ومرافق، حضانات، مواصلات…).
وعلى مستوى السياسات الاجتماعية شدد المركز في تقريره على أهمية العمل على تطوير سياسات الحد من الفقر، وتحسين الظروف الاجتماعية لأسر الأطفال العاملين أو المعرضين للانخراط في سوق العمل، ودعم الأسر المعرضة للمخاطر الاجتماعية والنفسية وربطها بشبكات الأمان الاجتماعي وتعزيز دور المجتمع المحلي في تحسين ظروف الأسر المعرضة وحماية الأطفال المعرضين، وإعادة تأهيل الأطفال العاملين الذين تعرضوا لمشكلات اجتماعية أو نفسية ودمجهم في المجتمع وحمايتهم من الإساءة أو الإيذاء النفسي والجسدي أو العنف.