"تمكين" توصي بحماية الأسر الفقيرة من العمل القسري
أوصت ورقة مُتخصصة بالعمل على تعزيز أرضيات الحماية الاجتماعية لحماية الأسر الفقيرة من العمل بالسخرة بسبب أوضاعها الاقتصادية الصعبة، وضرورة أن تكون عقوبة العمل القسري منسجمة مع جسامة الفعل المرتكب.
وجاء في الورقة الصادرة عن تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان بعنوان “العمل القسري وارتباطه بالاتجار بالبشر”، أن الأعمال القسرية ليست كلها نتيجة الإتجار بالبشر، في حين أن كل حالات الاتجار بالبشر تقريبًا تؤدي إلى العمل القسري، حيث يعتبر العمل القسري الشكل الثاني للاتجار بالبشر الأكثر انتشارا ويشكل 34% من الضحايا، موضحة ذلك بأن العمل القسري يشمل مجموعة من الأنشطة التي ينطوي عليها استخدام الشخص للقوة أو الاحتيال أو الإكراه للحصول على عمل أو خدمات شخص آخر، ويتم استيفاء عنصر “الأفعال” في العمل القسري عندما يقوم المُتاجر بتجنيد أو إيواء أو نقل أو توفير أو الحصول على شخص للعمل أو الخدمات، ويشمل عنصر “الوسائل” في العمل القسري استخدام المُتاجر القوة أو الاحتيال أو الإكراه، أو التهديد باستخدام القوة، واحتجاز الأجر، ومصادرة وثائق الهوية، والإكراه النفسي، والأذى بالسمعة، والتلاعب باستخدام مواد إدمان، والتهديد لأشخاص آخرين، أو أشكال أخرى من الإكراه، ويركز عنصر “الغرض” على هدف الجاني المتمثل في تأمين العمل أو الخدمات، وهذه العناصر الثلاثة جميعها أساسية لتشكيل جريمتي العمل القسري والاتجار بالبشر، بالتالي إن غالبية الذين يتم استغلالهم بالعمل القسري وتوافرت فيها عناصر الاتجار بالبشر من فعل ووسيلة وغاية، تُصبح هنا جريمة اتجار بالبشر، ما يعني أن هنالك علاقة وثيقة بين الجريمتين.
وقالت الورقة أن العمل القسري والعمل الاستعبادي انتهاكاً لحقوق الإنسان ويضع الشخص الذي يقوم به في وضع من الرِّق، وهو جريمة بموجب القانون الدولي.
وأشارت الورقة أنه رغم نص المادة (13) من الدستور الأردني على حظر العمل القسري، إلا أنه لا يوجد نص في قانون العقوبات الأردني أو القوانين الجزائية الأخرى ما يفيد تجريم العمل القسري، مُبينة أن قصور القوانين الجزائية عن تجريم العمل القسري لا يُشّكل فقط إخلالا بنصوص الدستور، وإنما مخالفة للاتفاقيات الدولية المعنية التي أوجبت على الدولة الطرف اعتبار العمل القسري جريمة من الجرائم الواقعة على الأشخاص لأنها تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر الحقوق اللصيقة بالإنسان، فالعمل القسري جريمة لا تقل خطورة عن الجرائم الأخرى، لذلك، من الضروري أن يكون هناك عقوبة لهذا الفعل تتماثل مع عقوبات الجرائم الأخرى لا أن يتم معاملتها على أنها مخالفة عمالية جزاؤها غرامة مالية، أي إن العمل القسري لا يعتبر جريمة مستقلة بحد ذاته، فإنه يمكن المعاقبة عليه إذا اكتملت أركان جريمة الاتجار بالبشر.
وأوضحت تعرض الأردن لانتقادات عدة بسبب إجراءاته غير الرادعة بشأن العمل القسري، فيما سلطت تقارير أخرى الضوء على الممارسات العديدة التي أدت إلى زيادة معدلاته، فضلاً عن الافتقار إلى السياسات التي تعالج أسبابها الجذرية بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة، حيث يقبل العمال ظروف العمل الصعبة غير العادلة والمليئة بالممارسات الاستغلالية من قبل أصحاب العمل بسبب عدم وجود بدائل أخرى لهم.
وجاء فيها أن العمل القسري لا ينحصر بفئة معينة، على الرغم من أنه يكون واضحًا بشكل أكبر في بعض القطاعات عن غيرها، حيث تشمل هذه القطاعات على سبيل المثال لا الحصر:الزراعة، والصناعة، والبناء، والألبسة والنسيج، والمرافق والخدمات ومجمل القطاع الخاص أي الشركات، ويعد كل من العمال المهاجرين، والنساء، والأطفال الفئات الأشد عرضة للعمل القسري.
النساء/ عاملات المنازل
قالت الورقة أن النساء خاصة عاملات المنازل يعملن في أعمال تجعلهن عرضة بشكل أكبر من غيرهم للانتهاكات، خاصة من يعمل منهن بالمنازل، حيث إن مكان العمل والإقامة ذاته، ما يعرضهن لانتهاكات عدة، فيها مؤشرات قوية على العمل القسري منها: الخداع بشأن طبيعة العمل، والإستقدام القسري المرتبط بالديون أو الوضع الاقتصادي، والإستخدام القائم على الخداع بشأن ظروف العمل ومضمون عقد العمل وقانونيته وظروف السكن والمعيشة والوضع القانوني ومكان العمل والأجور، إلى الإرغام على العمل لساعات طويلة، وتقييد حرية التنقل والإتصال مع الغير، وظروف العمل والمعيشة المهينة، وإرغام العاملة على لعمل في أعمال صاحب العمل الخاصة أو لدى سائر أفراد الأسرة، وتقييد الحرية، والحرمان من إنهاء العلاقة التعاقدية.
الأطفال
في هذا الجانب بينت الورقة أن العديد من أطفال المهاجرين واللاجئين والمواطنين الأشد فقرًا يتعرضون للعمل القسري، خصوصًا في ظل غياب المعيل واضطرار الطفل على أداء مهام المعيل الخاص بالأسرة، وعليه لا يتمكن الأطفال من الانسحاب من بيئة العمل وإن كانت مليئة بالانتهاكات بسبب شعورهم بالواجب ناحية أسرهم وتوفير لقمة العيش للأسرة، أو بإجبار من أحد أفراد الأسرة على العمل وعدم الاهتمام بالانتهاكات التي يتعرض لها الطفل في مكان العمل.
هذا ويعد عمل الطفل أمرًا غير قانوني في أغلب الدول، وتتيحه بعض الدول مثل الأردن بشروط معينة، فيسمح للطفل البالغ 15 عامًا أو أكثر العمل لمدة 6 ساعات يوميًا ببعض الشروط التي تشمل موافقة ولي الأمر، والعمل في قطاعات لا تشكل خطرًا على الطفل، وتوفر وقت راحة لا يقل عن ساعتين يوميًا.
بحسب الورقة يُعد استخدام الأطفال أو تشغيلهم بأعمال تؤدي بطبيعتها أو بفعل الظروف التي تُزاول فيها، إلى الإضرار بصحة الأطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي وعرضه لأغراض الدعارة أو لانتاج مواد اباحية أو أداء عروض اباحية ومزاولة أنشطة غير مشروعة وخاصة انتاج المخدرات والاتجار بها وكافة أشكال الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق، كبيع الأطفال والاتجار بهم، وعبودية الدين، والقنانة، والعمل القسري أو الإجباري، بما في ذلك التجنيد القسري أو الإجباري للأطفال لاستخدامهم في الصراعات المسلحة من أسوأ أشكال عمل الأطفال.
العمال المهاجرين واللاجئين
أما بالنسبة للمهاجرين واللاجئين قالت الورقة أن الظروف التي تدفعهم بالقدوم إلى البلدان المضيفة تختلف، حيث يكون قدوم اللاجئين جبريا وغالبًا ما لا يتمكن المهاجرين من العودة لبلدانهم بسبب النزاعات السياسية، والحـروب، والانتماءات السياسـية أو الاجتماعيـة، أما العمال المهاجرين فيأتون لطلب الرزق وبإمكانهم العودة لبلدانهم حين يرغبون بذلك، على الرغم من هذا تتشابه ظروف معيشة اللاجئين والمهاجرين والانتهاكات الواقعة على كلا الفئتين.
ويتعرض المهاجرون للعمل القسري والإتجار بالبشر لغرض الاستغلال في العمل لأسباب عدة منها الخداع أو النصب وينطبق ذلك على بيع تأشيرات العمل لوظائف وهمية موجودة فقط على الورق أو الإنترنت، وتبدأ الإنتهاكات من التهديد بالترحيل والاحتجاز واستغلال حالات ضعف العمال من خلال توظيف العمال ذوي الأوضاع غير النظامية، أو التهديد بعدن تجديد تصريح العمل أو إذن الإقامة، أو عدم السماح لهم بمغادرة البلاد، وفي بعض الحالات يتم اقناع الضحايا بأن عائلاتهم قطعوا سبل التواصل بهم وعزلهم عن المحيط، أو إغراقهم بديون حتى لا يتمكنوا من العودة إلى بلادهم.
أما للاجئين السوريين الذين سمح لهم بالعمل في الأردن لا تزال هناك تحديات كبيرة، منها تعرضهم للعديد من الانتهاكات في بيئة العمل من حرمان للأجور أو تدنيها، والعمل لساعات طويلة، وحرمانهم من العطل الرسمية والسنوية ومن الاجازات وغيرها من الحقوق التي يحرمون منها، أما اللاجئين غير السوريين يواجهون تحديات معيشية صعبة، وما يزيد معاناتهم عدم السماح لهم بالعمل بشكل قانوني، الأمر الذي يجعلهم أكثر فقرا واحتياجا خاصة من لديه احتياجات للعلاج بخاصة من يعاني من أمراض تحتاج لعلاج بتكاليف مالية مرتفعة، فلا يُسمح للاجئين غير السوريين بالعمل، وهكذا يجد اللاجئون أنفسهم غير قادرين على العمل ليزداد وضعهم المعيشي صعوبة، فهم غالبا من الفقراء وغير قادرين على الاندماج أو العودة إلى ديارهم أو التوطين في بلد ثالث، وفي حال عملهم يكون غير قانوني وفيه استغلال كبير من قبل بعض أصحاب العمل الذين يدفعون بتجاه تشغيلهم قسرا في ظل ظروف عمل مليئة بالانتهاكات، وعليه في ظل ظروف اللجوء يتعرض اللاجئون إلى العديد من الإنتهاكات مثل: طول ساعات العمل، وعدم دفع الأجور أو جزء منها، والحرمان من الإجازات والعطل الرسمية، والحرمان من بدل العمل الإضافي.