خبير يدق ناقوس الخطر.. عدد متعاطي المخدرات في الأردن يقترب من هذا الرقم!
حذر الخبير الأمني والمحاضر في كلية القانون في الجامعة الاردنية اللواء المتقاعد الدكتور عمار القضاة من تحول الأردن لدولة مقر وممر للمخدرات، في آن واحد في حال بقيت الأرقام بارتفاع.
وقال القضاة إنه وبحسب معايير الأمم المتحدة يعد أي بلد يزيد فيه نسبة المتعاطين واحد بالمئة مقرا للمخدرات، وبالنسبة للأردن نسبة الواحد بالمئة تعادل 100 الف مواطن، متوقعًا أن عدد المتعاطين في الأردن من عدد السكان قريب من هذه المعايير.
وأضاف القضاة في تصريحات لموقع عمون أن رعاية بعض الدول لإنتاج المواد المخدرة وتوجيهها الى دول أخرى لم يعد الغرض منه ماديا بالنسبة للمهربين ،وذلك لكون نظام بعض الدول يتعمد رعايتها سياسيًا وتسهيل مهمة القائمين على انتاجها دون فرض أي رقابة أو حساب بالرغم من أن قانونها يعتبر ذلك الفعل مجرمًا، بل دعمت عصابات تهريب المخدرات لوجستيًا وعسكريًا ورعاية مصانعها.
وأشار إلى أن المخدرات أصبحت الإرهاب الصامت والاقتصاد الأسود وتطورت اهداف رعايتها إلى اهداف سياسية بحته "لا بل بمثابة اعلان حالة الحرب الخفية على الدولة المستهدفة"، معللًا سبب رعاية دول لإنتاجها لكونها تعاني من عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي، وإيمانًا منها بأن توجيه المخدرات الى أي مجتمع هو سلاح فتاك وقاتل.
وتابع: أن الحرب التي تتبناها بعض الدول من خلال رعايتها لتجارة المخدرات وتوجيهها لدول أخرى هي صورة عن حرب الافيون التي اندلعت بين الصين والمملكة المتحدة في بدايات القرن العشرين حيث عمل الانجليز على نشر مادة الافيون بين الصينين ما دعا السلطات الصينة الى فرض عقوبة الإعدام على التعاطي، للحد من آفة المخدرات.
وبين أن من أسباب الإدمان غير المشاكل الاسرية أو الاقتصادية، الرغبة في التجربة، واليأس من تحسن الوضع المادي في ظل انتشار الفقر والبطالة والانتكاسات الاجتماعية والاقتصادية وضعف الوازع الديني، مشيرًا إلى أن المخدرات لا تنتشر فقط بين الفقراء بل بين الأغنياء كنوع من "الترويح التدميري"، من خلال تعاطي المخدرات عالية الثمن، على عكس الرخيصة التي تتنشر بين الفقراء.
وأشار القضاة، إلى أن عددا من الجرائم الكبرى والجنايات كان الجناة فيها من متعاطي المخدرات، مستذكرًا جرائم القتل الي شغلت الراي العام ووقعت بين الأصول والفروع تحت تأثير المخدرات.
ودعا إلى اجراء الدراسات المستفيضة للمجتمع بأطيافه كافة حول آفة المخدرات ومدى تأثيرها على الجرائم، مبينًا أن ارتفاع عدد الجرائم بسبب المخدرات هو تأثير طبيعي لكون المتعاطي يكون عرضة للاضطرابات النفسية والعقلية جراءه، "فمن يفقد عقله لا يُضبط مسلكه".
وأشاد بالجهود التي تبذلها إدارة مكافحة المخدرات ومديرية الاعلام والشرطة المجتمعية للتوعية حول مخاطر الافة والبرامج الدورية التي تبث حولها.
وعن مخاطر المخدرات على الاقتصاد العالمي، أشار القضاة إلى أنه وبحسب إحصاءات صادرة عن الأمم المتحدة ما يقارب 100 مليار دولار حجم تجارة المخدرات في العالم سنويا، و90٪ من انتاجها في أفغانستان.
ولفت إلى أنه وبحسب الاحصائيات ذاتها يسجل سنويا في العالم نحو 750 الف وفاة بسبب المخدرات على مستوى العالم سنويا ناتجه عن الجرعات الزائدة او الانتكاسات الصحية، في حين يبلغ عدد الأشخاص الذين عانوا من اضطرابات ما بعد الإدمان اكثر من 29 مليون شخص، ويتم علاج شخص واحد فقط بشكل كامل ما بين 6 مدمنين على مستوى العالم، مؤكدًا أن الأرقام في ازدياد.
اللواء القضاة أشار إلى أن ادمان المخدرات أدى إلى إصابة نحو مليون شخص بمرض الايدز (نقص المناعة) فيما أصيب نحو 6 مليون شخص من الذين تعاطوا المخدرات عن طريق الحقن بمرض فيروس التهاب الكبد الوبائي.
وقال القضاة الذي شغل عدة مناصب قضائية في مديرية الامن العام، ويحاضر حاليا في كلية الحقوق بالجامعة الاردنية، إن جرائم المخدرات تقع على 3 أصناف الأول الحيازة بقصد التعاطي والثاني الحيازة لأجل الترويج للمواد المخدرة والثالث لأجل الاتجار بها.
وأوضح أن الحيازة بقصد التعاطي "جاء النص عليها في المادة التاسعة من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 2022 أن عقوبتها تبدأ من 3 شهور وحتى 3 سنوات وتتفاوت مدة العقوبة حسب نوع وخطورة المادة المدرجة في الجداول الملحقة بقانون المخدرات".
وعن تهمة الترويج او التوزيع، نوه إلى أن المشرع في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية عرّف الترويج في "المادة الثانية منه انه "تسليم او محاولة تسليم المواد المخدرة او المستحضرات او المؤثرات العقلية بأي صورة او وسيلة لتوزيعها او تداولها او تسهيل التعامل في ما بين المتعاطين لها، سواء بمقابل او دون مقابل وذلك في غير الأحوال المرخص بها بمقتضى التشريعات المعمول بها".
"بينما لم يعرّف المشرع تهمة الاتجار بالمخدرات في حين اكتفى في المادة 19 من القانون ذاته ببيان عقوبة التاجر بالأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن 15 سنة وبالغرامة من 10 الاف دينار الى 20 الفا، "وفق القضاة الذي قال إن الترويج او التوزيع في ذات القانون حددت عقوبته بالأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن 5 سنوات.
وشدد على أن الترويج لا يقل خطورة عن الاتجار بالمخدرات، مؤكدًا أنه لا مبرر لفصلهما بعقوبات مستقلة لكون المروج هو تاجر وهو من ينشرها بين فئة المتعاطين ويستهدفهم بسمومه، "لا سيما ان المشرّع لم يضع معيارًا فاصلًا للتمييز بين التاجر والمروج لا من حيث الكمية الواجب حيازتها او القصد الجرمي من حيث نية الإتجار او نية الترويج، بالوقت الذي يقول به المنطق القانوني والواقع ان نية الاتجار متوافرة لدى التاجر والمروج على السواء".
واقترح القضاة تأسيسًا على ما سبق، أن يدمج جرم الترويج مع جرم الإتجار بعقوبة واحدة، ما ينعكس إيجابا على القضاء والنيابة العامة، لكونه من السهل ان تميز بين التاجر وبين الحائز بقصد التعاطي، لكن وجود حلقة المروج بينهما يجعل الامر مشكلا للتمييز بين التاجر والمروج، ويَترك ذلك الامر للقضاء مجالاً لتكييف حكم الاتجار وتعديل وصف التهمة إلى الترويج، ما يعني فرض عقوبة اقل، وإفلات الكثير من عقوبة الإتجار المحددة، بتعديلها الى عقوبة الترويج والتي هي اقل منها بعشر سنوات.
ونوه إلى أنه وبتتبع بعض القرارات الصادرة عن محكمة التمييز، "عدَّلت العديد من الاحكام من وصف التجارة إلى الترويج"، ما يعني تخفيف الحكم على المتهم نظرا لعدم لوجود نص حاسم يفرق ما بين الحيازة بقصد الاتجار والحيازة بقصد الترويج اذ يُترك ذلك إلى قناعة القاضي الوجدانية، مستذكرا احد الاحكام التي صدرت بحق متهمين اعتبرت المحكمة أن حيازة 1456 غرام من مادة الجوكر ترويجا وليس تجارة.
وأكد أن "ما يدعو للقلق هو أن رقم المروجين والتجار في الاحصائيات المنشورة كبير، ما يستدعي التحليل لمعرفة نتائج الاحكام الصادرة بحقهم من محكمة أمن الدولة، وهل سيحكم عليهم بتهمة الترويج او الاتجار فعلًا؟ ام سيتغير وصف التهم المسندة اليهم من التجارة الى الترويج او الى الحيازة بقصد التعاطي؟ وهذا هو شأن القضاء في ظل قناعة القاضي والنصوص التي سيحتكم اليها"
وفي معرفة نتائج الأحكام - بحسب القضاة - فائدة كبيرة لرجال مكافحة المخدرات في بيان مدى سلامة الإجراءات الأولية في الضبط وتقديم دليلًا سليمًا لا يشوبه البطلان اثناء المحاكمة، وتفادي أي خطأ قد يؤدي إلى افلات الجاني من العقاب.
وبين أن مجموع القضايا والبالغ 19 الفا، عند تحويلها لمحكمة امن الدولة سيقسم على 6 هيئات قضائية مختصة في محكمة امن الدولة، بمعدل نحو 1580 قضية شهريًا ما يعني أن 265 قضية شهريا لكل هيئة وبواقع 90 قضية للقاضي الواحد في الهيئة شهريا ما يشكل عبئًا كبيرًا على الجهاز القضائي سواء في محكمة امن الدولة او محكمة التمييز.
ولفت إلى أنه يتم تقديم ما بين 200 - 300 كفالة خلال اليومين المخصصين لها (الاحد والثلاثاء)، ما يزيد العبء على الهيئات ومزيدًا للوقت لنظر طلبات الكفالة، ما يؤدي لارتفاع عدد النزلاء في مراكز الإصلاح مدة أطول الى حين البت بالكفالات المقدمة.
وبين القضاة الذي كان يشغل منصب مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل سابقا، إن نحو 40% من نزلاء مراكز الإصلاح موقوفين على قضايا مخدرات، مقترحًا أن يتم تشكيل هيئات قضائية لأمن الدولة للنظر في قضايا المخدرات في كل إقليم على حدى وبحسب الصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء في المادة الثانية من قانون تشكيل محكمة أمن الدولة.
وعن اعداد متعاطي المخدرات، قال إن معرفة اعداد المتعاطين ضرورة علمية ،لتحديد حجم المشكلة من جهة ومن جهة أخرى معرفة الكمية الحقيقية من المخدرات المستهلكة في الأردن، وتحديد مصدرها وأساليب تهريبها، مؤكدا أن الأردن ليس دولة مصنعة للمخدرات ولكن القراءات الدولية للأمم المتحدة تقول أن 80% من تهريب المخدرات لا يتم ضبطه، بمعنى أن نسبة المضبوط 20% فقط، "وبالنسبة للوضع في الأردن قد تصل نسبة المضبوطات لنحو 50%، بيد أنه في الآونة الأخيرة كانت الكميات التي ضبطت خلال محاولات لتهريبها كميات كبيرة غير مسبوقة في تاريخ الأردن، وصلت لستة ملايين حبة ضبطتها دائرة الجمارك والأجهزة الأمنية، داخل معبر الكرامة.
ودق القضاة ناقوس الخطر حول حجم الكميات المستهلكة فعليا، مقارنة مع ما تم احباطه في الإحصائية الأخيرة ما يستدعي تضافر جهود الأجهزة الأمنية كافة لمعرفة الكميات الداخلة للأردن ولم يتم ضبطها.
ودعا اللواء القضاة إلى دعم مرتبات إدارة مكافحة المخدرات بالقوى البشرية اللازمة، والأجهزة والمعدات المتطورة ليضطلعوا بدورهم على اكمل وجه، قائلا "عبئهم ثقيل ومهمتهم صعبة وخطيرة".
وأكد ضرورة دعم برامج العلاج والاشراف الطبي والنفسي والتأهيلي للمتعاطين الموقوفين لدى مراكز إدارة الإصلاح ومركز علاج الإدمان في إدارة مكافحة المخدرات، مشددًا على ضرورة معرفة تأثير المخدرات على الوضع الجرمي العام وعمل إحصائية للجرائم التي وقعت تحت تأثيرها ابتداء من حوادث السير البسيطة الى الجنايات الكبرى.
وشدد على ضرورة اجراء دراسة وطنية شاملة بمشاركة الخبراء الأمنيين والاكاديميين ومراكز الدراسات وممثلين عن المؤسسات الحكومية المعنية، وجمعيات أهلية والجامعات، تبين ارقام متعاطي المخدرات في الأردن، لكونهم الفئة الأضعف في قضايا المخدرات، والمستهدفة من قبل التجار والمروجين، ولكون عددهم في توسع كبير وازدياد، مستذكرا "الانتكاسة القانونية التي كانت في عام 2010 عندما كان القانون يعفي المتعاطي لأول مرة من العقاب" فكان من نتائجه ارتفاع غير مسبوق في اعداد المتعاطين استمرت حتى تغير النص القانوني وفرض عقوبة على المتعاطين لأول مرة".
وقال القضاة، إن ذلك القانون الذي خالف منطق السياسة الجزائية العقابية في فرض عقوبة على المتعاطي لا اعفائه منها بحجج واهية، فمثلا السياسة الجزائية في الشريعة الإسلامية، تعمدت إقامة الحد على شارب الخمر (كمتعاطي لها) ولم يُفرض حكم الحد على الصانع او البائع او الحائز او الناقل او الوسيط، وهذا بهدف تحقيق الردع وتقليل عدد شاربي او متعاطي الخمور، بينما في المانيا فإن القانون يعاقب الصانع والمهرب والبائع والناقل لكن لا يعاقب المتعاطي أبدًا الا اذا ارتكب جرما آخرا قرر القانون له عقوبة، ما اغرقهم في آفة المخدرات وتكاليف علاجها الباهظة جدا وهذا ما سمعته منهم حول ذلك.
ولفت إلى أنه وبجمع اعداد المتعاطين للسنوات من 2019 ولنهاية 2022 وحسب الاحصائيات الرسمية بلغ عدد المتعاطين 54 الفا و995 شخصا، بحسب الاحصائيات الرسمية الصادرة عن مديرية الامن العام دون الأشخاص المتعاطين الذين لم يتم ضبطهم، مرجحا أن يكون رقم غير المضبوطين ضعف الرقم المضبوط او يزيد عليه. (عمون)