الولادة القيصرية.. فوائدها وأضرارها على الأم والجنين
تعد الولادة بالشكل التقليدي عملية مؤلمة، بالرغم من أن الولادة الطبيعية يمكن أن تكون غير مؤلمة باستخدام تخدير تحت الجافية، وقد تسبب بعض المضاعفات على الأم والجنين.
ونتيجة الخوف من الألم أو من المضاعفات، تعتمد العديد من النساء وأطباؤهن طريقة أكثر سهولة وأمانًا في بعض الأحيان تعرف بالولادة القيصرية. فما هي الولادة القيصرية وكيف تجري؟ وما هي استطباباتها؟ وهل هي ضرورية في كل الحالات؟ وما هي مخاطرها؟، كلها معلومات سنتعرف عليها في هذا المقال بشكل مبسط...
ما هي الولادة القيصرية؟
هي إجراء جراحي يستخدم لتوليد الجنين من خلال عمل شق في البطن والرحم.
يمكن التخطيط لإجرائها في وقت مبكر من الحمل في حال وجود مضاعفات للحمل أو الخضوع لولادة قيصرية سابقة وعدم تفضيل الأم للولادة المهبلية (الطبيعية) بعد الولادة القيصرية الأولى، أو قد تكون إسعافية لإنقاذ حياة الأم أو الجنين أو كليهما في حال كان لزامًا التوليد ولم يحن الموعد مثلًا.
ما هي استطباباتها (أي متى يطلب الطبيب الولادة القيصرية وتكون ضرورية للحفاظ على حياة الأم أو الجنين)؟
1. عند عدم تقدم المخاض وتوقفه: من أشيع الاستطبابات، ويكون سببه عدم اتساع عنق الرحم بشكل كافٍ لخروج الجنين رغم الانقباضات القوية التي تحدث على مدى ساعات.
2. في حال حدوث نقص أكسجة لدى الجنين، وفي حال اضطراب نبضات قلب الجنين.
3. بعض حالات الحمل التوأمي أو المتعدد.
4. في حال المجيء المعيب للجنين (مثل بعض حالات الجنين المقعدي أو المعترض).
5. وجود مشكلة في المشيمة: كالمشيمة المنزاحة (وهي وضع معيب للمشيمة بحيث تغطي عنق الرحم كاملاً أو جزئيًا)، وهنا تكون الولادة القيصرية أكثر الطرق أمنًا لولادة الجنين.
6. وجود مشكلة في الحبل السري: كانسدال السرر.
7. في حال وجود مشاكل قلبية أو دماغية أو بعض الأمراض التناسلية (كخمج الهربس النشط) لدى الأم الحامل.
8. الانسداد الميكانيكي: كورم ليفي ساد لقناة الولادة، أو كسر منزاح في الحوض، أو إصابة الجنين باستسقاء دماغي حاد.
9. الخضوع لولادة قيصرية سابقة: وهو استطباب نسبيٌّ تبعًا لنوع شق الرحم وعوامل أخرى، ويجب الإشارة أن محاولة إجراء ولادة طبيعية ممكنة بعد عملية قيصرية وهو خيار يقرره الطبيب المولِّد.
10. طلب الأم الحامل لهذا النوع من الولادة (هو أيضًا استطباب نسبيٌّ).
بعد أن تعرفنا على الولادة القيصرية وعلى دواعي استخدامها ربما تظنون أنها أفضل من الولادة الطبيعية، فهي تُجنب الأم الألم ومضاعفات خطيرة كما أشرنا، ولكن هذا ليس صحيحًا تمامًا.
فالولادة القيصرية رغم أنها على العموم إجراء آمن فهي كأي عمل جراحي محفوفة بالمخاطر والمضاعفات التي قد تنتهي بموت الحامل أو جنينها، فلا يجب استخدامها عشوائيًا دون أي استطباب لها.
مخاطر الولادة القيصرية على الجنين:
• مشكلات تنفسية: إن الأطفال الذين ولدوا بعمليات قيصرية مجدولة أكثر عرضة للإصابة بسرعة التنفس العابرة وهي مشكلة تنفسية تُمَيّز من خلال التنفس السريع غير الطبيعي في الأيام القليلة الأولى من الولادة.
• إصابة جراحية: شائعة، فقد تحدث خدوش عرضية في جلد الطفل نتيجة استخدام جائر للمشرط ولكنها صغيرة وتشفى دون مشاكل.
• أشارت دراسات حديثة لوجود تأثيرات على التطور العصبي للأجنة، ومنها تقرير تحدث عن أنه في الفئران كانت الولادة القيصرية ذات تأثير عميق وواسع النطاق وغير متوقع على نمو الدماغ، فالولادة الطبيعية كانت ذات تأثير أفضل على بُقيا الخلايا الدماغية ومدة عيوشيتها أما في الولادة القيصرية فقد كان فقدان هذه الخلايا أكبر. وهذا أثار عدة أسئلة فيما إذا كانت تسبب التأثير نفسه لدى البشر (أي واضعةً الأجنة البشرية بخطر خسارة أكبر للخلايا الدماغية وأيضاً تغيرات محتملة في سلوك حديثي الولادة يمكن أن يكون له عواقب مدى الحياة).
• البدانة: وجِدَ في التقرير السابق ذاته اكتشاف آخر غير متوقع وهو وجود فرق وزن بين الفئران المولودة طبيعيًا والقيصرية (طبعًا الوزن أثناء النمو وليس وزن الولادة لأن وزن الولادة كان متقارباً)، فالفئران المولودة قيصريًا نمت لتكون أثقل من المولودة طبيعيًا.
وتشير هذه النتائج إلى أن الزيادة في الولادات القيصرية قد تسهم في تزايد معدل سمنتنا كبشر، كما أشار تحليل تجميعي meta-analysis في البشر إلى أن الولادة القيصرية ترتبط بشكل معتدل مع زيادة الوزن والسمنة، كما ارتبطت الولادة القيصرية مع ارتفاع خطر السمنة في التحليلات الخام crude analyses وبعد تعدل عوامل الانحياز ضعُفَت الرابطة ولكنها بقيت ذات دلالة إحصائية مهمة.
• مناعة الجنين: ذكرت صحيفة ديلي تلغراف أن الأطفال الذين يولدون بعمليات قيصرية هم أكثر عرضة للإصابة بحساسية، مثل الربو، لأنهم يحصلون على "مناعة طبيعية" أقل من والدتهم، واستندت قصتهم إلى دراسة مخبرية صغيرة قدمت مساهمة مفيدة في معرفتنا للآثار المحتملة على الأطفال من الولادة القيصرية بدلاً من الولادة المهبلية. ومع ذلك، فإن هذه الدراسة بمفردها صغيرة للغاية، بحيث لا تقدم أي نتائج حول تعرض الأطفال حديثي الولادة لأنواع معينة من البكتيريا عند الولادة، وأظهرت دراسات أخرى أنه يتأخر استعمار الأمعاء بالبكتيريا الواقية (المفيدة) مثل المكورات اللبنية عند الرضع القيصريين.
مخاطر الولادة القيصرية على الأم الحامل:
• زيادة المخاطر خلال فترة الحمل في المستقبل: فكلما خضعت المرأة لعملية قيصرية ترتفع احتمالية إصابتها بالمشيمة المنزاحة، أو الإصابة بحالة تتصل فيها المشيمة بصورة غير طبيعية بجدار الرحم (المشيمة المندخلة)، كما ترتفع احتمالية التعرض لتمزق الرحم على طول خط الندبة الباقية عند محاولة الخضوع لولادة مهبلية.
• الخمج أو الإنتان: شائع، حيث تكون الأم معرضة لاحتمالية حدوث التهاب بطانة رحم وتكون الأعراض على شكل حمى- ألم بطني- مفرزات مهبلية غير طبيعية ونزيف مهبلي شديد.
• إنتان الجرح وهو شائع (يعرف من خلال تورم واحمرار وألم مكان الجرح).
• نزيف النفاس: قد تسبب نزيفا شديدا خلال الولادة وبعدها، ويتطلب نقل الدم في الحالات الشديدة أو تدخلاً جراحيًّا.
• حدوث تفاعلات تحسسية تجاه المخدر المستخدم في العمل الجراحي.
• الجلطات الدموية: حيث تزيد من احتمالية حدوث التهاب وريد خثري عميق، خصوصا في الساقين أو أعضاء الجسم بمنطقة الحوض، وهذا يرفع من احتمالية حدوث الصمة الرئوية (خثرة تنتقل من أوردة الساق لشرايين الرئة مسببة انسدادها) ويعتبر اختلاطا مهددا للحياة.
• الإصابة الجراحية: وهو أمر نادر الحدوث لكن قد تصاب الحامل بإصابة جراحية في المثانة أو الأمعاء وهذا يستدعي عملاً جراحيًّا إضافيًّا لتصحيح الإصابة.
الولادة القيصرية ومنظمة الصحة العالمية:
أوصت المنظمة بالحد من التداخلات غير الضرورية من أجل ولادة طبيعية، إذ أعربت عن قلقها بازدياد أعداد الولادات القيصرية غير المبررة في بيان أصدرته سنة 2015 وكان الملخص التنفيذي له:
منذ عام 1985، نظر مجتمع الرعاية الصحية الدولي بأن المعدل المثالي للعمليات القيصرية يجب أن يكون بين 10 ٪ و15 ٪. ولكن منذ ذلك الحين، أصبحت العمليات القيصرية شائعة بشكل متزايد في البلدان المتقدمة والنامية (في مصر مثلًا تجاوز المعدل 50%).
وعندما تكون مبررة طبيًا، فإنه يمكن لها أن تمنع بشكل فعال وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة. ومع ذلك، لا يوجد دليل يوضح فوائد الولادة القيصرية للنساء أو الأطفال الرضع الذين لا يحتاجون إليها. كما هو الحال مع أي عملية قيصرية ترتبط الأقسام بالمخاطر قصيرة وطويلة الأجل والتي قد تمتد لسنوات عديدة إلى ما بعد الحمل الحالي وتؤثر على صحة المرأة وطفلها والحمل في المستقبل. هذه المخاطر أعلى في النساء مع وصول محدود للرعاية التوليدية الشاملة.
في السنوات الأخيرة، أعربت الحكومات والأطباء عن قلقهم إزاء ارتفاع أعداد الولادات القيصرية والنتائج السلبية المحتملة على صحة الأم والرضع. وأشار المجتمع الدولي كثيرًا إلى الحاجة لإعادة النظر في المعدل الموصى به لعام 1985.
وفي النهاية يجب أن نشير إلى أن الولادة القيصرية هو إجراء يقرر الطبيب المختص ضرورته من عدمها فكما وضحنا هو ضروري ومنقذٌ في بعض الحالات وقد يسبب الامتناع عنه أذى للجنين ولأمه وربما موتهما، وهذا المقال إنما توضيح لأضرار قد تحدث عند إجرائه دون سبب طبي وبمخاطر يمكن تجنبها بتجنبه واتباع الولادة الطبيعية.