السياحة الدينية: الاستفادة من خبرات الغير
الأب رفعت بدر
للمرة الـ149 تحظى مدينة لورد، الواقعة جنوب غرب فرنسا على مقربة من الحدود مع اسبانيا، بأيام الحج التي كانت تُسمى «الحج الوطني» كون الفرنسيين مدعوون بشكل سنوي لإحياء هذا الحج. ولكن، منذ سنوات قليلة، تطوّر هذا الحج ليصبح «دوليًّا» وليس فقط وطنيًّا. وشارك هذا العام عدد كبير من مسيحيي الشرق، من الوطن العربي ومن المسيحيين المغتربين في فرنسا. ولأوّل مرّة، حظينا كوفد أردنيّ بهذه المشاركة وتمّ الإشارة والاشادة من قبل المسؤولين بهذه المشاركة الأردنيّة الأولى.
تشرّفت شخصيًّا بمرافقة الوفد الأردنيّ، الصغير عدديًّا ولكن كان له حضوره الجميل، وبالأخص في الاشتراك بأعمال التطوّع والخدمة، لاسيما للمرضى والمُسنين الذين يأتون أيضًا على أسرّتهم أو كراسيهم المتحرّكة، ويتجنّد لخدمتهم عدد كبير من شباب العالم.
على هامش هذه اللقاءات من الحج، التقينا برئيس أساقفة لورد الجديد جان مارك ميكاس، الذي عبّر عن رغبته بزيارة الأردن بعدما أخبرته عن زيارة سلفه المطران نيكولا بروفيه إلى الأردن في أيلول 2018، حيث زار مزار سيّدة لورد في ناعور وتمّ إنشاؤه في عام 2015 ليكون مجسمًا مصغرًا لمزار سيّدة لورد الأصلي في فرنسا. وكذلك التقينا كوفود عربيّة وشرق أوسطيّة مع نيافة الكاردينال جان مارك أفيلين، رئيس أساقفة مارسيليا، الذي عبّر عن تقديره وتقدير الكنيسة الفرنسيّة لمسيحيي الشرق وإسهاماتهم الحضاريّة لخدمة الكنائس والمجتمعات ككلّ من خلال تعزيز الحوار الديني وحوار الثقافات. وقال بأنّ أبرشية مارسيليا التي يخدمها تعبّر أيضًا عن هذه التعدديّة الجميلة من الثقافات والحضارات كونها كانت على الدوام ملاذًا للقادمين من دول المشرق.
بالتزامن مع هذه اللقاءات، كنتُ أفكّر على الدوام بالسياحة الدينيّة وكيفيّة دعمها في وطننا الحبيب. لورد هي مدينة قد نشأت إثر ظهورات السيّدة مريم العذراء لفتاة صغيرة كان عمرها 14 عامًا، هي برناديت سوبيرو، ومنذ ذلك الحين، وبعد أن أقرّت الكنيسة صحة وأصالة هذه الظهورات ابتدأ الحج السنوي، لا بل اليومي، إلى هذه المدينة الرائعة والتي تعتبر من أكبر المدن السياحيّة الدينيّة في العالم، وفيها اليوم أكثر من 135 فندقًا وأكاد أن أقول بأنها مشغولة على مدار السنة.
وهنالك طبعًا المزار المريمي الذي مساحته أكثر من 500 دونم، ويتسع لمئات الألوف من الأشخاص. وعلى سبيل المثال كان هذا الأسبوع 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، واتسع لهم المكان، وكان لهم برامج يومًا بيوم، من نشاطات روحيّة ولقاءات ثقافيّة وصلوات وترانيم وأمسيات للإصغاء إلى خبرات الأشخاص الذين حظوا بخبرات روحيّة معيّنة. أما الأماكن المجاورة لمزار لورد فهي مهيئة، لا بل أقول متقنة تمامًا لاستقبال الحجاج والوافدين والزائرين من خلال توافر المحلات التجاريّة والمطاعم والفنادق.
هذا ما نحلم به في الأردن، وبالأخص في موقع المعموديّة، حيث تمّ تعيين لجنة ملكية قبل أشهر للتفكير بالأراضي المجاورة للمغطس. نريد أن نحلم، ونريد أن يكبر الحلم، ونريد بالتأكيد أن يتحقّق الحلم. وهذا يحتاج طبعًا إلى تضافر الجهود، ولكنه يحتاج إلى تعلم خبرات الغير، وزيارة تلك الأماكن السياحة الدينيّة العالميّة لكي يتكّون لدينا هذا المفهوم الروحاني، وبنفس الوقت السياحي الديني. فالمفهوم الروحاني يعني بأنّ هنالك مكانا مقدّسا يفرض احترامه ويعمل على استقطاب المصلّين والمؤمنين والعابدين والتائبين. وهنالك أيضًا الأماكن المجاورة للمكان المقدّس التي تحتاج إلى عناية وفتح باب الاستثمار وإلى مخطّطات لكي تقدّم خدماتها الشاملة لجميع المقيمين في هذا المكان، وهي خدمات روحيّة واجتماعيّة وإنسانيّة وحتى ترفيهيّة. والى اللقاء العام المقبل بالحج الـ 150...