صويص يكتب: الحكومات الأردنية وشركة لافارج
كتب عضو اللجنة الشعبية للدفاع عن أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت (لافارج)، الدكتور سليمان صويص، مقالا مطولا، وذلك في سياق اشتداد الأزمة بين أهالي الفحيص والشركة.
وتاليا نص لمقال:
حتى لا ننسى: الحكومات الأردنية وشركة لافارج
مما لا شك فيه أن انتخاب مجلس بلدي جديد لمدينة الفحيص، في آذار الماضي، قد أدخل قضية أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت في مرحلة جديدة. سيكون اجتماع هيئة الدائنين الأربعاء 10/8/2022 ، في إطار عملية الإعسار، المحطة الأولى التي سيوضع فيها المجلس الجديد على المحك.
بهذه المناسبة، حريٌّ بجميع المهتمين بقضية الأراضي داخل الفحيص وعلى امتداد الوطن أن يتوقفوا عند المراحل السابقة لهذه القضية، وأن يتبينوا حقيقة ما جرى بدقة ، نظراً لعلاقته الوثيقة بما يجري اليوم.
نشأت القضية مطلع عام 2016 عندما أعلنت شركة لافارج عن توقف الإنتاج في مصنع إسمنت الفحيص، وعزمها على إغلاقه تمهيداً لرحيله، وهو المطلب الشعبي لأهالي الفحيص منذ أمد طويل، نظراً للأضرار البيئية الجسيمة التي كان يسببها المصنع للمدينة. وعلى الفور، طرحت الشركة مشروع «مذكرة تفاهم» على بلدية الفحيص آنذاك، خلاصتها وجوهرها أنها تريد الحصول على قرار تنظيم الأراضي من البلدية (لكي تبيع الأراضي بالسعر الأعلى) مقابل مشاريع وهمية (تنفذ ـ حسب ما ورد في المذكرة ـ بواسطة «مطوّر» مجهول الهوية) ستقام على أراضي المصنع.
تحرّك أهالي الفحيص ومؤسساتهمم، ونتيجة لذلك تشكلت «لجنة تفاوض» لمساعدة البلدية. وبالفعل، عندما اقترحت البلدية إدخال تعديلات على مذكرة التفاهم (اقترحتها لجنة التفاوض)، كان رد فعل شركة لافارج رفض التوقيع على مذكرة التفاهم، لأن التعديلات كانت ستجهض الأهداف المستترة للشركة؛ إذ كان واضحاً بأن قبول المذكرة بدون التعديلات سيكون مدخلاً لتهرب لافارج من الإلتزامات المطلوبة منها قانونياً، خاصة إعادة تأهيل الأراضي المعدّنة. كما أن أسلوب لافارج كان ولا يزال يمتاز بالسرية والتكتم والتحايل على القوانين و «الفهلوة»، بديلاً عن الشفافية والعلانية والإحتكام إلى القانون والعقل والمنطق والمصالح المشتركة، كما كان يطالب أهالي الفحيص.
ماذا كان موقف الحكومات المتعاقبة تجاه هذا الواقع؟
عملياً ، كانت تقف تلك الحكومات بصورة ضمنية إلى جانب النهج والمخطط الذي تسير عليه لافارج، وتجهض في الوقت نفسه كل مساع كانت تقوم بها الفحيص للوصول إلى حلول متوازنة تستند إلى الدستور والقانون وحقوق الفحيص والمصالح المشتركة.
باختصار عندما كان إجراء ماء يخدم لافارج كانت السلطات تتحرك بنشاط لتنفيذه؛ وعندما يكون الإجراء في خدمة حقوق الفحيص وقضية أراضيها كان التجاهل والتباطؤ وإعاقة تنفيذ الإجراء هو «البوصلة» للسلطات. ولئلا تصطدم مباشرة بأهالي الفحيص، كانت الحكومات تتبع أساليب مختلفة تتراوح بين التلويح بالعصا، ثم الإغراء بالجزرة... إلى ان أدركت ، هي ولافارج ومن يدور في فلكهما، بأن أهالي الفحيص لا تنطلي عليهم مناورات لافارج وحيلها ومخططاتها، وهم عصيون على التطويع والخضوع والابتزاز.
فيما يلي بعض الأمثلة على ما ذكرناه أعلاه، من بين أمثلة كثيرة جداً موثقة لا يتسع المجال لسردها كلها هنا:
1) مارس وزير البلديات الأسبق ضغوطاً شديدة على المجلسين البلديين السابقين من أجل حملهما على القبول بمخططات لافارج، لدرجة دفعت ستة من أعضاء المجلس البلدي إلى تقديم استقالاتهم من المجلس في آذار 2017، لعدم قدرتهم على تحمل الضغوط التي كانت تمارس عليهم. وهذا موثق ومعروف. كما استدعت الأجهزة الأمنية العديد من النشطاء في مجال الدفاع عن الأراضي للتحقيق معهم!.
2) عندما عُرضت على شاشة تلفزيون «جو سات» (كانون الثاني 2019) الرسالة التي بعث بها عمرو رضا، المدير التنفيذي للافارج إلى رئيس الحكومة الأسبق هاني الملقي، والتي يدعوه فيها إلى التدخل في القضاء لحسم القضايا المرفوعة ضد لافارج من قبل المواطنين المتضررين من التلوث البيئي... لم يتحرك أحد لوقف هذا الإعتداء السافر على السيادة الأردنية وعلى استقلالية القضاء الأردني ... ماذا يعني ذلك ؟ ومع ذلك اعتصم أهالي الفحيص وماحص أمام محكمة التمييز، لأول مرة في تاريخ الأردن، (16/12/2018) وقدموا مذكرة إلى رئيس المجلس القضائي حول الموضوع... ولا حياة لمن تنادي!.
3) عندما رفع أكثر من 280 مواطن من مواطني الفحيص شكوى إلى هيئة مكافحة الفساد مطالبين بالتحقيق في شبهات الفساد الذي وقع في سياق عملية خصخصة شركة مصانع الإسمنت الأردنية، والذي تحدث عنه تقرير اللجنة الملكية لتقييم عمليات التخاصية (2013)، والموجود نصه الكامل على الموقع الألكتروني لرئاسة الوزراء... فإن هيئة مكافحة الفساد لم تحرّك ساكناً بالرغم من وعود رئيس الوزراء الأسبق عمر الرزاز (8/8/2018) بتزويد أهالي الفحيص برد الهيئة على الشكوى المقدمة منهم ! هل يعبّر تصرف الحكومة وهيئة مكافحة الفساد عن حرص لإنصاف الفحيص... أم عن حرص على مساعدة لافارج، والتستر على مرتكبي الفساد الذي تسبب بخسائر جسيمة لخزينة الدولة الأردنية؟ لماذا لم تحترم الحكومات توصيات تقرير اللجنة الملكية؟.
4) في عام 2018 أنشأت شركة لافارج «شركة تلال الفحيص الخضراء العقارية»، وبذلك تحولت شركة لافارج إلى شركة للمضاربات العقارية، بدلاً من أن تكون شركة لإنتاج الإسمنت كما هو مرخص لها. ولم يكن هناك أية مساءلة حكومية للشركة عن ذلك.. ماذا يعني ذلك؟.
5) استمرت الحكومات المتعاقبة في تجاهل إرادة الفحيص وحقوقها، واثبتت بأنها ماضية في دعم لافارج من اجل فرض خططها على الفحيص قسراً ..كترجمة لذلك، قام وزير البلديات في 19/5/2018 بإصدار «توجيهاته» إلى قسم هندسة بلديات البلقاء للقيام بتنظيم وفرز أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت، «بناء على طلب تقدمت به شركة لافارج مؤخراً »، حسب كتاب الوزير. لكن الفحيص ومجلسها البلدي ومؤسساتها العشائرية والمدنية فرضت على وزير البلديات التراجع عن قراره لاحقاً.
لم يختلف الأمر عندما تحولت الحكومات إلى «اسلوب الجزرة» أواخر صيف 2018 ؛ فقد كان الهدف استدراج الفحيص للتسليم بما تريده لافارج دون التزام هذه الشركة بأي من الإستحقاقات القانونية المفروضة عليها.
وهذا ما دفعها إلى طلب الإعسار في تموز 2020 والتذرع بكورونا التي لم يكن قد مضى عليها بضعة أشهر ! وبعد صدور قانون الإعسار عام 2018 ، جُنّدت كل الطاقات والإمكانيات لتمرير مخططات الشركة عبر مسار الإعسار، بعد أن عجزت عن تمريرها عبر الحيل والإبتزاز والضغوط التي مورست ضد الفحيص على مدى سنوات. فقد حققت شركة لافارج هولسم الأم أرباحاً صافية بلغت مليارين و700 مليون فرنك سويسري عام 2021 . ومبلغ الدين الذي تتحجج به لافارج يمكن تسديده بسهولة فهي حققت أرباحاً طائلة من وراء فرعها في الأردن في سنوات ماضية؛ ويمكن لخطة إعادة تنظيم الشركة أن تسدد ديونها من خلال بيع الأفران التي ستتوقف عن الإنتاج حسب ما ورد في الخطة.
إن ما هو قائم على باطل.... فهو باطل.. وعلمتنا دروس التاريخ بان الباطل قد يحقق تقدماً في مرحلة، لكن المتمسكين بالحق والمطالبين به بلا كلل سوف تكون لهم الغلبة. «دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة» (الإمام علي بن أبي طالب).