الأردن العطِش يعاني حصارا مائيا من الجانب السوري

{title}
أخبار الأردن -

بدأت حكومة سوريا بإجراءات تبدو أنها "عقابية" للعاصمة عمّان، إذ عملت على التضييق على المستثمرين في المنطقة الحرة المشتركة، كما أغلقت معبر نصيب، لفترات كبيرة دون سبب أو مبرر، وذلك بعد أن كانت الأمور تسير باتجاه التعاون الاقتصادي بين النظام السوري والأردن.

وجاء ذلك بالتزامن مع رفض وزير الري في حكومة بشار الأسد تمام رعد، مد الأردن، الذي يعاني العطش، بالمياه، بل واستمرار مخالفة اتفاقية استثمار مياه نهر اليرموك، الموقعة بين البلدين عام 1987.

وحسب مراقبين، فإن الأردن يشارك فكرة التكتل الجديد بالمنطقة الذي يستهدف مواجهة توسعات إيران وتحول دون تمددها حتى جنوبي سوريا، ما أزعج طهران التي حرضت الأسد على اتخاذ هذه الإجراءات العقابية.

وكانت إيران أيضاً وراء تعطيل مشاريع نقل الطاقة عبر الأردن وسوريا إلى لبنان.

ولا يستبعد الاقتصادي السوري، المنحدر من مدينة درعا السوريا المتاخمة للأردن، عماد الدين المصبح، أن يكون لتبدل المشهد السياسي في المنطقة، الدور المحوري بما أسماه ضغط نظام الأسد على الأردن، سواء عبر المعبر وإعاقة الترانزيت وحتى عمل المستثمرين، أو بالمياه وتكثيف تهريب المخدرات.

وأوضح أن الأردن الذي يعتبر سوريا، كلتا رئتيه، سيتأثر بلا شك، كما أن سوريا التي تصدر إنتاجها الزراعي، إلى وعبر الأردن، ستتأثر، لكن نظام بشار الأسد برأي المصبح، آخر همومه الآثار المترتبة على المنتج والمستهلك السوري.

وكشف المصبح أن إغلاق معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن "جاء بقرار أمني"؛ لأن مديرية النقل الطرقي لم تكن بالصورة "تابعنا تصريح مدير نقل دمشق محمود الأسعد الذي نفى علم المديرية"، كما أن تعطيل الاستثمار وإيجاد العراقيل بالمنطقة الحرة "أيضاً بقرار أمني سوري"، ونتابع شكايات المستثمرين كما تابعنا شكايات سائقي الشاحنات الذين تعطلت مصالحهم وتكبدوا الخسائر جراء إغلاق المعبر الأسبوع الماضي.

ولا يستبعد الخبير الاقتصادي، أسامة القاضي بتوقعاته عما يصفه بأنه ضغط سوري على الاقتصاد الأردني الهش، والذي خاب بعد فتح معبر نصيب ولم تجر الأمور والتجارة والترانزيت، كما توقعت عمان، بل استخدمت سوريا المعبر لتمرير المخدرات عبر السلع والمنتجات، أضعاف الصادرات الزراعية باتجاه الخليج العربي.

وأضاف رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، القاضي لـ"العربي الجديد"، أن الترويج والمبالغة خلال عودة فتح معبر نصيب، والحملات والأماني خلال افتتاح المنطقة الحرة، كانت لأغراض سياسية أكثر منها اقتصادية، وربما كانت تتناسب مع فترة "إعادة تعويم النظام السوري العام الماضي" لكن التبدلات في المنطقة اليوم، جعلت نظام الأسد يشهر سلاح الاقتصاد والماء "وذلك بطلب إيراني وتوجيهات روسية".

وفي سؤال حول زيادة الإيرادات عبر معبر نصيب عن 117 مليار ليرة العام الماضي، أي بنحو 90% عما كانت عليه عام 2020، قال القاضي إن المبلغ لا يصل إلى 30 مليون دولار، ولو نظرنا إلى طبيعة المواد التي يتم تبادلها سنجد أنها تقتصر على مواد زراعية وأغنام من الجانب السوري، وبعض مواد مستعملة كألواح الطاقة الشمسية من الأردن.

وأضاف: "نحن نتكلم عن 30 شاحنة من وإلى الأردن يومياً، في حين قيمة المخدرات السوريا واللبنانية التي تمرر عبر الأردن، تصل لأضعاف المبلغ، هذا عدا آثارها الاجتماعية والضرر بالصحة العامة، بالأردن والخليج العربي".

ورجّح مراقبون أن رفض الجانب السوري تزويد الأردن بالمياه، إشارة واضحة إلى التصعيد من جانب نظام الأسد لإرغام عمّان على إرسال وفود إلى دمشق للتفاوض "بقضايا عدة"، منها معبر نصيب والمنطقة الحرة وحصة الطرفين بمياه اليرموك إضافة إلى القضايا العالقة، كمرور الغاز والكهرباء عبر سوريا من الأردن.

ويأتي الرفض السوري بتزويد الأردن بـ30 مليون متر مكعب من المياه، في ظروف تشتد فيها الأزمة التي يعانيها وزيادة حاجته المائية في موسم صيفي هو الأكثر جفافا والأشد فقرا بالمياه على الأردن، وفق خبراء قدروا العجز المائي بنحو 370 مليون متر مكعب هذا العام، منها 60 مليون متر مكعب مخصصة للشرب.

ورأى الأكاديمي السوري والمحلل الاستراتيجي المقيم في الأردن، إبراهيم الجباوي، أن نظام الأسد "يعاقب الأردن عبر طرائق عديدة، آخرها المياه"، معتبراً أن رفض دمشق تزويد عمّان بالمياه مخالف لاتفاقية "استثمار مياه حوض اليرموك" الموقعة بين الجانبين عام 1987، بل وأوغل نظام الأسد بالمخالفة، عبر إقامة السدود "42 سداً بسعة 159 مليون متر مكعب" وحفر الآبار على مدخل سد الوحدة، وهو السبب الأهم بتراجع كميات المياه الواصل للسد وبالتالي تراجع حصة الأردن.

وكشف الجباوي من عمّان عن أن معدل المياه الداخلة من نهر اليرموك إلى الجانب الأردني بين عامي 2010 و2019 بلغ نحو 58 مليون متر مكعب سنوياً، وهذه الكمية تراجعت خلال العامين الأخيرين، علماً أن اتفاقية 1987 تنص على حق الأردن بالحصول على نحو 200 مليون متر مكعب من مياه اليرموك سنويا.

وكان بناء سد الوحدة على نهر اليرموك عام 2004، بطول 110 أمتار، وطاقة تخزينية تبلغ 115 مليون متر مكعب، قد تم بالتوافق بين سوريا والأردن، بهدف توفير المياه والطاقة الكهرومائية التي يحتاجها الجانبان، إلا أن حجز المياه السطحية والتعدي على الجوفية من جانب نظام الأسد، بحكم أن نحو 80% من حوض اليرموك على الأراضي السورية، هبط حصة الأردن إلى أقل من 50 مليون متر مكعب سنوياً.

وحسب تصريح لوزير الزراعة الأردني السابق عاكف الزعبي، فإن حصة بلاده المائية من حوض نهر اليرموك بحسب الاتفاقيات 206 ملايين متر مكعب سنويا، لكن ما يصل فعليا يتراوح ما بين 10 و30 مليون متر مكعب سنويا وفق الموسم المطري، ما يوجب على الأردن "اتخاذ إجراء عربي أو دولي لمحاسبة السلطات السورية على ذلك"، على حد قوله خلال تصريحات صحافية.

وأشار الجباوي إلى تفاقم أزمة المياه بالأردن، بعد جفاف السدود في محافظات الجنوب (سدود الوالة والموجب والتنور وشعيب) وزيادة الطلب على المياه إلى نحو 3 ملايين متر مكعب يوميا، في حين لا تتجاوز الكميات الموجودة بالسدود حاليا 75 مليون متر مكعب من أصل 285 مليون متر مكعب.

وتابع: دفع ذلك الأردن لشراء المياه من الجانب الإسرائيلي، يتم ضخها من بحيرة طبريا إلى الأردن لغايات الشرب وري المزروعات "بموجب اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية لعام 1994، إذ يحصل الأردن على 55 مليون متر مكعب من مياه نهري اليرموك والأردن، وبسعر سنت واحد للمتر".

وقال الجباوي وهو عضو هيئة التفاوض السورية السابق، إن النظام السوري يتعمد التضييق على الأردن الذي يؤوي نحو 1.5 مليون لاجئ سوري، وذلك بتوجيه روسي وضغط إيراني، لكن الأردن وبحكم تأذي الاقتصاد والشعب "يحاول مد اليد بكافة السبل" وغير مستبعد إرسال وفود ولجان إلى دمشق، لمناقشة مسألة المياه وغيرها.

وفي المقابل، رأى العامل السابق في وزارة الري بدمشق، المهندس السوري محمد علي، أن بلاده تعاني أيضاً كما الأردن، بل وجاء تراجع منسوب نهر الفرات وبناء تركيا السدود وتخفيض حصة دمشق، ليحول الجزيرة (دير الزور والرقة) إلى مناطق قاحلة ويضر بالموسم الزراعي.

وأضاف علي أن جنوبي سوريا المجاور للأردن "محافظة درعا" يعاني من جفاف الينابيع، بخاصة ريفها الغربي، وقد جفت ينابيع "عيون العبد والعجمي" اللذين كانا يغذيان مناطق "زيزون، وعموريا، الجعارة" بمياه الشرب، وقبلها جفت ينابيع "زيزون، المزيريب، البجة" وتراجع منسوب عيون "الساخنة" إلى ما ينذر بالجفاف، علماً أن تلك الينابيع هي مصدر محافظة درعا الرئيس لمياه الشرب.

وحول أسباب جفاف تلك الينابيع، أكد المهندس السوري أن حفر الآبار العشوائي هو السبب الأهم الذي دمّر عروق المياه العذبة، وبدأت تتراجع غزارة مياه الينابيع بالتوازي مع كثرة الآبار، ما أدى إلى جفاف معظمها.

وحول حصة الأردن في مياه حوض اليرموك، أكد أنها تراجعت إلى أقل من الربع؛ وذلك بسبب الجفاف في المنطقة بشكل رئيس "ولكن لا أستبعد الأسباب السياسية"؛ لأن حصة الأردن ترتفع كلما تحسنت العلاقات بين البلدين.

وفي مقابل شكاوى المستثمرين في المنطقة الحرة من تضييقات الجانب السوري، أكد مصدر من دمشق، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن أكثر من 100 مستثمر عادوا للعمل بالمنطقة الحرة منذ عودتها في بداية كانون الأول (ديسمبر) 2021، مشيراً إلى استكمال أعمال البنى التحتية والخدمات والتأهيل "انتهى أكثر من 50% من كامل متطلبات المستثمرين".

وأضاف المصدر أن في مصلحة بلاده والأردن، جذب الأموال والمستثمرين "فلماذا تعطل الأعمال"، مشيراً إلى أن "المناخ جاذب بالمنطقة الحرة" لأنها ممر لحركة الشحن والترانزيت بين الموانئ السوريا واللبنانية وميناء العقبة، وأن الكثير من شحنات الترانزيت الكبيرة باتجاه الأراضي الأردنية تمر عبر المنطقة الحرة "والمواد الأولية أولاً"، لكنّ مراقبين أكدوا أن النظام السوري يهجّر الرساميل والصناعات، ويضيّق على التجار والشركات.

وأغلق معبر نصيب/ جابر عام 2015 بعد سيطرة المعارضة السورية على مناطق جنوبي سوريا، ليعاد فتحه في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 أمام حركة المسافرين والترانزيت والشحن والتبادل التجاري، حتى انتشار جائحة كورونا، ما دفع الأردن إلى إغلاق المعبر في آذار (مارس) عام 2020، قبل أن يعاد فتحه في 29 أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، ثم عادت التضييقات للمعبر من الجانب السوري لدرجة إغلاقه معظم الوقت.

وكان مدير النقل الطرقي في دمشق محمود الأسعد، حمّل المسؤولية لإدارة الجمارك، مؤكداً خلال تصريحات مؤخرا، أن الإغلاق "أمر مستغرَب وجديد على الحدود السوريا"، مشيراً إلى ضرورة إبلاغ إدارة الجمارك ووزارة النقل "في حال نيتها إغلاق الحدود"، ومؤكدا أن موظفي الجمارك لا يتمتعون بعطلة سوى يوم الجمعة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير