كيف سيؤثر إلغاء وزارة العمل على حقوق العمال؟

{title}
أخبار الأردن -

لم يكن وقع خبر توجه الحكومة لإلغاء وزارة العمل عادياً على الناشطين الحقوقيين والمطالبين بحقوق العاملين والعاملات بمختلف القطاعات، حيث جاء خلافا لمطالبهم بزيادة فعالية وزارة العمل وإعطائها أهمية أكبر من قبل الحكومة، إذ أن التقصير الحاصل في منظومة التفتيش والرقابة بحاجة إلى تطوير وليس زيادة في التهميش.

ورغم أنّ الحكومة أعلنت أنها خطة غير مقررة حتى اللحظة، فإنّ الخبراء ينظرون إليها على أنها توجه واضح وقد يكون منذ سنوات، بعد تهميش وزارة العمل في الكثير من القضايا وتغليب مصلحة أصحاب الأعمال وممثليهم على حساب العمال في مختلف القطاعات ما زاد من الانتهاكات الواقعة على الطبقة العاملة.

وإذ تتوجه الحكومة إلى إلغاء وزارة العمل وتوزيع مهامها على عدة وزارات كالصناعة والتجارة، والداخلية، والتربية وتنمية الموارد البشرية التي ستستحدثها الحكومة، فإنّ ذلك يشتت سوق العمل وتنظيمه وإدارته على مختلف الصعد والقضايا، فوفق آراء خبراء تحدثوا لـ"المرصد العمالي الأردني" سيحدِث ذلك خللا في التشريع وتطبيق قانون العمل.

ويقول حمادة أبو نجمة مدير جمعية بيت العمال إنّ المسائل القانونية بعد إلغاء وزارة العمل ما تزال مبهمة وقد تنتقل المهام بتعديل الأنظمة الإدارية للوزارات الموكلة بمهام العمل من خلال إضافة بنود تحوي إضافة مهامٍ لكل وزارة معنية، ما يؤدي إلى قصور تطبيق القانون وبخاصة في قضايا الحوار الاجتماعي واللجنة الثلاثية لشؤون العمل.

ويبين أنّ أبو نجمة لـ" المرصد العمالي الأردني" أنّ تشتيت القضايا المتعلقة بسوق العمل بين الوزارات قد يترك فجوة واضحة في تنظيم علاقات العمل، خصوصا وأنها لم تُذكر في الخطة، وتساءل "ما هي المؤسسة أو الوزارة التي قد تدير هذه العلاقات؟".

ويوضح أبو نجمة أنّ جميع المؤسسات والصناديق التابعة لوزارة العمل بحاجة إلى مراجعة مدى تأثرها لدى إلغاء الوزارة وتوزيعها على وزارات ومؤسسات أخرى، ما يصعّب توقع المخرجات التشريعية، خصوصا وأنّ الحكومة تحدثت عن عدم وجود دراسة للآثار المترتبة على القرار حتى الآن.

ويشير إلى أنه حتى وإن تم إقرار هذه الخطة ومباشرة العمل عليها، إلّا أنّ هناك صعوبة في تطبيق العديد من القضايا الخاصة بسوق العمل، كالحوار الاجتماعي، واللجنة الثلاثية، وتهميش العديد من القضايا الأخرى.

ويستغرب قيام الحكومة بتوزيع مهام وزارة العمل على وزارات الداخلية والصناعة والتجارة في المقام الأول، في وقت تسعى بعض الدول لدمجها بوزارة التنمية الاجتماعية لكونها تحوي مشكلات اجتماعية مهمة وترتبط ارتباطاً وثيقاً بحاجة العمال للعمل والحمايات الاجتماعية.

ويرى أنّ الحكومة تؤكد مساعيها للحفاظ على صاحب العمل، والتعامل مع العمال وكأنهم آلات بمقدور صاحب المنشأة الاستغناء عنهم في أي وقت، وهذه الرؤية "لا تنتج سوق عمل عادلة".

في حين يرى حاتم قطيش الراصد النقابي لعمال الأردن، أنّ توجه إلغاء وزارة العمل يزيد من التشاؤم والمخاوف الجديدة، فمن الناحية العملية "لم تعزز الخطة الحكومية مبدأ الحوار، فهي جاءت مفاجأة للناشطين في مجال العمل والعمال على اختلاف توجهاتهم".

ويقول قطيش لـ"المرصد العمالي الأردني" إنّ اللجنة التي أعدت هذه الخطوة تمثل الحكومة وأصحاب العمل بشكل رسمي مع غياب تام لممثلي العمال، فلا وجود للاتحاد العام والنقابات العمالية في اللجنة، ما يرجح أن تصب مخرجاتها في صالح أصحاب العمل.

ويستغرب، خلال حديثه، عدم الإشارة إلى قضايا الحوار الاجتماعي والنزاعات العمالية والمفاوضة الجماعية وعلاقات العمل، في حين تشير إلى تحويل المهام إلى وزارة الصناعة والتجارة المعنية بشؤون الشركات ومراقبتها بأهداف استراتيجية تعبر عن أهداف أصحاب العمل ولا علاقة لها بالنقابات العمالية وحقوق العمال.

وذلك، وفقاً لقطيش، يعني أنّ من سيتوكل بشؤون العمال هي وزارة تدار بعقلية أصحاب العمل، ومخاوف كيفية التعامل مع النزاعات العمالية بالتحديد.

ويلفت إلى أنّ جزءاً أصيلاً من مهام وزارة العمل هو "التفتيش" في حين "تسعى وزارة الصناعة والتجارة إلى زيادة التنافسية بين المنشآت بغية تعزيز الاقتصاد، ما قد يخلق تساؤلات عن قضايا التفتيش والرقابة الخاص وبشروط العمل والعمال".

ويرى أنّ إلغاء وزارة العمل سيعيد الأردن خطوات إلى الوراء فيما يخص حرية التنظيم النقابي، فبعد أن كانت المطالبات بفصل هذه القضية عن قانون العمل لضمان عدم تدخل المؤسسات الرسمية فيها، توضع اليوم بأيدي وزارات أخرى ليس من مهامها تنظيم علاقات العمل أو النقابات العمالية.

وينبه إلى أنّ التنظيم النقابي يشمل جميع العاملين والعاملات في قطاعات غير تجارية أو صناعية، كقطاعات البنوك والبلديات والخدمات العامة والسياحة وغيرها، أي "خارج تنظيم وزارة الصناعة والتجارة، فدمجهم في هذه الوزارة سيدفع ثمنه العمال، لأنّه سعي لاستمرارية صاحب العمل فقط".

كما يشير قطيش إلى مسائل العمالة المهاجرة عند التصاريح والإقامة، ويتوقع أن تستمر الانتهاكات الواقعة عليهم سواءً بالعمل الجبري أو الأجور المتدنية أو حتى الاتجار بالبشر، ويتساءل: من سيدافع عنهم ويعيد حقوقهم في ظل غياب التمثيل النقابي لهم؟".

ويعتقد أنّ الاستعجال في التشريعات وعدم التشاور مع ذوي الاختصاص من جميع الأطراف، سيزيد الانتهاكات العمالية وفيه تقويض للحلول النقابية وإضعاف النقابات أكثر من ضعفها الذي تعيشه اليوم، وسيبقى الاعتماد فقط على القضاء لتحصيل الحقوق، في الوقت الذي نلاحظ أنّ معظم العمال ليسوا قادرين على التقاضي أو تكاليفه.

وكان "المرصد العمالي الأردني" قد حذر من عواقب "كارثية" في حال إلغاء وزارة العمل بعد العمل على تضعيفها منذ سنوات.

وفي بيان نشره الإثنين رداً على توجه الحكومة، أكدّ المرصد أنّ الإعلان الحكومي مؤشر على سياسة إضعاف شبكة الحمايات الاجتماعية والشروط العمل الضعيفة أصلاً، التي يجب أن تعزز لا العكس.

ولاحظ البيان أن قرار إلغاء الوزارة سيجعل الحكومة أمام مشكلة تشريعية كبيرة تتعلق بضرورة تعديل عشرات القوانين والأنظمة التي تنيط بالوزارة أدوارا عديدة، ما سيدخل الأردن في تخبط تشريعي يحتاج تخطيه لسنوات طويلة، في الوقت الذي كان يجب فيه تكثيف الجهود لمواجهة المصاعب التي يعاني منها سوق العمل حاليا وعلى رأسها معدلات البطالة المرتفعة.

وبدوره، أعلن الاتحاد العام لنقابات العمال رفضه لتوجه الحكومة بإلغاء وزارة العمل ونقل مهامها إلى عدد من الوزارات المعنية، وأكد أنّ ذلك سيشكل فوضى واضطرابا في سوق العمل ويهدد بآثار سلبية على العمال.

ورأى الاتحاد، في بيان نشره الإثنين، أن التوجه الحكومي يتنافى مع الحوار الاجتماعي والشراكة بين العمال وأصحاب العمل "الذي عملت الحكومة على تكريسه منذ سنوات"، ولاحظ أنّ وزارة الصناعة والتجارة هي مظلة تمثل أصحاب العمل من القطاعات الصناعية والتجارية ومجال عملها ليس حماية العمال والحفاظ على حقوقهم.

وأشار البيان إلى أن إلغاء الوزارة "يخالف التزامات الأردن الدولية بشأن تعزيز علاقات العمل والشراكة الاجتماعية وحق العمال بالمفاوضة الجماعية وتوقيع الاتفاقيات التي تنظم العلاقة مع أصحاب العمل، الأمر الذي يؤدي إلى عدم استقرار في عجلة الإنتاج واختلال في علاقات العمل ويلحق الضرر بمنظومة الاقتصاد الوطني".

وأشار البيان، إلى أن مثل هذا الإجراء بحاجة للبحث والدراسة مع اتحاد العمال والنقابات العمالية لضمان عدم إلحاق الضرر بأحد أهم عناصر الانتاج وسواعد بناء الوطن وهم شريحة العمال، وأكد البيان أن الاتحاد يدعم أي جهود إصلاحية ومبادارت للنهوض بالإدارة العامة مع ضرورة الحفاظ على حقوق العمال وعدم التجاوز عليها.

وأوضح البيان أن لدى المنظمات العمالية تخوفات مشروعة وتساؤلات كثيرة عن مستقبل سوق العمل وشكل العلاقة بين العمال وأصحاب العمل.

وبين أن تنظيم سوق العمل وسياسات التشغيل وقضايا أخرى تتعلق بالتدريب المهني والتقني، والحماية الاجتماعية وعلاقات العمل، وغيرها الكثير، هي من اختصاص الوزارة والمؤسسات والهيئات التي يرأس وزير العمل مجالس إداراتها، الأمر الذي يحتاج مرجعية واحدة تحيط بجميع القضايا المرتبطة بسوق العمل والقطاعات العمالية.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير