الخاسر في الهجوم على مشروع القانون هو الطفل
بقلم: المحامية هالة عاهد
ما أن بدأت مناقشات مجلس النواب لمشروع قانون حقوق الطفل حتى توالت ردود الأفعال المعارضة للقانون وتوالت الاتهامات لهدف القانون وفلسفته ومراميه، وإن كان معظمها يدور حول شيطنة مشروع القانون والمدافعين عنه واتهامه بأنه يقوض دور الأسرة ويساعد الأطفال على التمرد على اهلهم ويحض على الانحلال والفجور ويسهل للطفل تغيير دينه وهويته الجندرية، الغريب أن هذه الاتهامات المرسلة لم تكن لمواطنين لم يطلعوا على نصوص القانون ومواده واكتفوا بما أشيع عنه وتردد على لسان نواب وإعلاميين وسياسيين، بل توالت الحملات المنظمة ضد القانون تدور جميعها حول الاتهامات ذاتها؛ ولكن هذه المرة- و لتجنب الانتقادات بأن ما يشاع لا يجد سنده وأساسه في القانون – دعمت الانتقادات بذكر مواد مشروع القانون وتفسيرها وتحويرها لتتسع لمخاوف المنتقدين واتهاماتهم!
أخطر وأغرب هذه الانتقادات جاءت في بيان صادر عن (مجلس علماء الشريعة) في حزب جبهة العمل الإسلامي، هذا الأخير الذي لم يكتف بملتقى هاجم فيه مشروع القانون وهدد فيه امينه العام بانتزاع روح من يريد تغيير هوية البلاد العروبية والإسلامية زاعما أن مشروع القانون يهدد هذه الهوية، ولم يكتف ببيان صدر عن شخصيات وطنية ومنظمات مجتمع مدني - حسب زعم البيان -، وإنما كان لابد من بيان ثالث عن الجهة نفسها يصدر هذه المرة عن ( علماء شريعة) ليخلق حالة راي معارضة للقانون بزعم مخالفتها لأحكام الشريعة، ومن يستطيع ان يناقش او يرد على علماء شريعة.
لذا أقول إن هذا البيان هو أخطرها لا لاختبائه في كثير من المغالطات التي طالت القانون خلف ستار الشريعة، ولكن لاحتوائه على مغالطات قانونية استغرب – ان حسنت نوايا مصدرية- لماذا لم يعرض على قانونيين مختصين لايضاح مفاهيم القانون ومصطلحاته، بيان لا يستند الى المنظومة التشريعية الأردنية ولا يعترف بها.
وهذا المقال يتناول بالتحديد المغالطات القانونية التي وردت في بيان مجلس علماء شريعة جبهة العمل الإسلامي :
1. زعم البيان ان تحديد سن الطفولة ب 18 عام مخالف للشريعة وان مرحلة الطفولة تنتهي بالبلوغ ويصبح الطفل عندها اهلا للعقد والزواج والطلاق والهبة
ولكن البيان نفسه يتجاهل أن سن الرشد في الأردن هو 18 سنة سندا لاحكام القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية وكليهما مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية، وأن كليهما يجعل من تحت سن ال 18 ناقص الاهلية، لا يتولى كل العقود ولا يحق له الزواج إلا استثناء وضمن ضوابط وشروط وبأذن، وأن العقود التي يتولاها من دون الثامنة عشرة تكون جائزة إذا كانت نافعة نفعا محضا اما اذا كانت دائرة بين النفع والضرر لا يتم إجازتها إلا بموافقة الولي أو الطفل نفسه حين يبلغ سن الرشد
كما يتجاهل أن تحديد سن الطفولة لغاية 18 سنة لا يعني بأية حال من الأحوال عدم مساءلة الطفل عما يرتكبه من أفعال، وأن قانون الأحداث قد حدد سن المسؤولية الجزائية وفردها وقسمها لتتناسب ونضج الطفل ومعرفته.
2. يدعي البيان أن مشروع القانون يتحدث في المادة 5/ب منه على حق الرعاية فقط ويتجاهل حق التربية والتوجيه والتأديب، في حين أن مشروع القانون نفسه وفي المادة ذاتها نصت على "حق الطفل بالرعاية وتهيئة الظروف وتنشئته تنشئة سليمة تحترم الحرية والكرامة والانسانية والقيم الدينية والاجتماعية " فما مدلولات التنشئة السليمة لدى السادة مصدرو البيان.
3. زعم البيان أن القانون في مواده السابعة والثامنة يحرم الأهل من التدخل بخصوصية ابنهم وهذا يعني أنه ليس للاب أن يعترض على ولده او يتدخل في شؤونه وأن مشروع القانون يمنحه حق طلب المعلومات مما يعني انه يمكن له التدخل بخصوصية والديه أو يطلب اسرارهما، طبعا يتكرر في هذا البند كما في غيره اجتزاء لنصوص المواد وعدم فهم المدلولات القانونية للنصوص، في المادة الثامنة نفسها التي تتحدث عن احترام الحياة الخاصة للطفل تنص في الوقت نفسه على مراعاة حقوق وواجبات والديه، وان هذا النص يحمي الطفل من نشر صوره ومعلوماته
ويتجاهل منتقدو القانون أن المادة 7/1 من الدستور الأردني تنص (ان الحرية الشخصية مصونة) وعلى خلاف مواد أخرى في الدستور تركها على اطلاقها دون تقييد القانون او تنظيمه، هذه المادة في الفصل الثاني من الدستور تتحدث عن حقوق الأردنيين وواجباتهم ولا يعني بأية حال من الاحوال ان هذه الحقوق هي للبالغين من الأردنيين فقط فهل الدستور الأردني الذي يقسم النواب بما فيهم نواب حزب جبهة العمل الإسلامي على احترامه مخالف للشريعة؟!
أما القول أن حق الطفل في طلب المعلومات يعني أن يكون للطفل حق الاطلاع على خصوصية والده وطلب أسرارهم فينم عن عدم معرفة بمدلولات الحق في الحصول على المعلومة وفقا للمعايير الدولية والتشريعات الاردنية، فحق الحصول على المعلومة هو أحد حقوق الإنسان واحد جوانبه الوصول لمعلومات يحتاجها من الهيئات العامة، أمام تلك المتعلقة ببيانات الأفراد وخصوصياتهم فهي ليست متاحة معلومات عامة وإنما محمية وينبغي أن تكون كذلك طالما لا مصلحة عامة بالإفصاح عنها.
4. يدعي موقعو البيان أن المادة 9 من مشروع القانون نص غربي بامتياز لأنه يمنح الطفل حق التواصل مع والديه فقط دون حقوق الرأفة والعناية بهما واندماج الطفل بأسرته، ويتجاهل مصدروا البيان أن القانون وان كان يضع التزامات على الوالدين إلا أنه بالدرجة الاولى يضع التزامات على عاتق الدولة ومؤسساتها بشكل اكبر ، وان هذه المادة حماية لحقوق الطفل الشرعية - وفق نص المادة – من نفقة وحضانة ورضاعة والتواصل مع والديه؛ لكي لا يكون هناك إجراءات من قبل الدولة تحرم الطفل من التواصل مع والديه، ومن تطبيقها إذا حصل أحد الوالدين أو آخرين على الحضانة أن لا يمنع الاخر او كلا الوالدين من التواصل مع الطفل . والاغرب ان يوجه انتقاد للقانون لأنه يرتب حقوقا للطفل على والديه والقائمين بالرعاية عليه والدولة ويرون أن هذا التنظيم يضع الطفل بمواجهة ذويه ويستنكرون هذه الحقوق ويروها سببا للتمرد، لكنهم في الوقت نفسه يعيبون على مشروع القانون عدم نصه على واجبات الأطفال تجاه ذويهم، أليست قيم الاحترام والرأفة بالوالدين قيم ينبغي زرعها بالمحبة و التنشئة داخل الأسرة والآن بات المطلوب فرضها القانون على الطفل ! نرفض تنظيم حقوقه بالقانون لكن نريد فرض واجباته بالقانون، لا نريد محاسبة الأب المعنف ولكن نريد تجريم الطفل الذي لا يحسن التعامل معهما. ليس أهلا للحقوق، ولكنه أهلا للزواج.
5. انتقد البيان المادة 18 من مشروع القانون التي يرونها دون ضوابط مما يسمح للطفل بالمشاركة في أندية ماسونية دون أن يكون للأب حق منعه، تغافل البيان عن باقي نص المادة التي نصت على حق الطفل بالمشاركة والأندية والجمعيات والأنشطة الترفيهية بما يتناسب وسنة ونضجه ووفقا للتشريعات النافذة، هذه التشريعات التي لا تحظر الجمعيات الماسونية فحسب بل تضع قيودا على تأسيس الجمعيات وعملها بشكل يخل بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان ويعارض الدستور الذي كفل للاردنيين جميعهم حق تأسيس الجمعيات والانضمام إليها، لم نسمع من السادة علماء الشريعة انتقادا للمادة 16 من الدستور بزعم أن حرية تأسيس الجمعيات سيفتح الباب للانضمام الجمعيات الماسونية.
هذه بعض من اتهامات اكيلت لمشروع قانون حقوق الطفل، في مجملها ومنطوقها ليست جديدة وإنما تتكرر عند كل مطلب تعديل حقوقي يخص النساء والأطفال: مطالب غربية، دعوة لهدم الأسر وتفكيكها والمساهمة بالانحلال، منطق يخطف تأويل النص الديني و يدعي أحقيته في فهمه وشرحه وتأويله، هذه المرة – عن قصد او دون قصد- حرفت مدلولات القانون و مفاهيم و اجتزأت مواده لتبرير المعارضة. هل هذا يعني ان القانون مثالي وينبغي إقراره كما ورد من الحكومة، قطعا لا، فالقانون غابت عنه العديد من المواد اللازمة لحماية حقوق الأطفال، ويحتاج ضبط نصوصه وتحديد مسؤوليات الدولة وواجباتها بشكل أكثر وضوحا ويفتقد للجزاءات، لكن القراءة الموضوعية المتأنية للقانون غابت تحت وقع الهجوم عليه بما ليس فيه، والخاسر هو الطفل الذي نتغنى ان قيمنا تراعيه ونتجاهل معدلات الفقر وغياب الحماية الاجتماعية والصحية وارتفاع معدلات التسرب من المدارس والعنف ضد الأطفال وارتفاع نسبة عمل الأطفال ، وحين يصبح طفل ما خبر عاجل نتباكى مستنكرين غياب أدوات الحماية والرعاية