صويص "مصدوم" من تصريحات عكروش حول قضية الفحيص ولافارج

{title}
أخبار الأردن -

كتب عضو اللجنة الشعبية للدفاع عن أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت، الدكتور سليمان صويص، مقالا بدا فيه "مصدوما" من تصريحات أدلى بها رئيس بلدية الفحيص عمر عكروش، حول قضية مصنع الإسمنت "لافارج".

 

وجاء مقال صويص بعنوان "ما هكذا تورد الإبل!"، وتاليا نصه:

 

 

أجرت منصة «هوا الفحيص» الإعلامية يوم الجمعة الموافق 22 تموز 2022 حواراً مطوّلاً مع عطوفة الأستاذ عمر عكروش، رئيس بلدية الفحيص، تناول جزئين مهمين :الأول، تعلّق بإنجازات البلدية خلال المئة يوم التي مضت على إستلام المجلس البلدي الجديد للمسؤولية؛ والثاني، تحدث فيه عن قضية الفحيص الرئيسة، أي الأراضي المقام عليها مصنع الإسمنت، والتطورات المرتقبة بشأنها.

 

أعترف بأنني استمعت بإنتباه إلى الحوار مرتين، ليس بسبب ما احتواه من أمور جديدة أو عميقة، بل لكي أزن كل كلمة أسطرها في هذا المقال. فالأستاذ عمر الذي أكنّ له الإحترام، تربطني به علاقة عائلية؛ لكن عندما يتعلق الأمر بالفحيص، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، فمن المفروض أن لا يكون هناك أي مجال لمجاملة من أي نوع، وان تكون الموضوعية هي المقياس الذي يُكال به، وان لا تعطى أهمية لأي اعتبار آخر.

 

من هذا المنطلق، عندما استمعت إلى الجزء الأول من الحوار الذي تحدّث فيه عن إنجازات البلدية، شعرتُ بالإرتياح والسرور، وتمنيت لو أصافح رئيس وأعضاء المجلس البلدي واحدأ واحداً لكي أعبّر لهم عن الشكر والتقدير والتهنئة على كل الإنجازات التي حققوها من أجل الإرتقاء بالأوضاع الخدمية والتنظيمية والإدارية للبلدية وللمدينة.

 

أما عندما انتقل «العمدة» إلى الحديث عن قضية الأراضي، شعرت بأن أموراً كثيرة جانبها الصواب؛ بل لم اتوقع طرحها، لأنها ـ ببساطة ـ ليس لها أية وظيفة إيجابية، في الظرف الحالي. على سبيل المثال، لماذا الحديث عن «الجولات التي خسرت فيها الفحيص»، وعن «الذبح» الذي لا أدري كيف يمكن أن يتكرر، فعندما يُذبح ـ مثلاً ـ الخروف أول مرة...هل سيكون هناك مجال لذبحه مرة ثانية أو ثالثة ؟!  لقد قُتل هذا الموضوع بحثاً ومناقشةً طوال السنوات الماضية، ولا يرغب أحد في العودة إليه؛ وثبت بالدليل القاطع بأن تلك المقولات ليس فيها ذرة واحدة من الصحة. فما يسمى «مكتسبات» (وكان يردّد البعض بأن «الفحيص أضاعت فرصة ثمينة») هي حقوق واردة في نصوص القوانين.

 

وشركة لافارج الرأسمالية الخاصة الأجنبية ـ كما هو معروف ـ لا توزّع هدايا، بل مقابل كل دينار تنفقه تعمل على تحصيل مئة دينار مقابله ! ونحن على ثقة تامة بأن المجلسين السابقين عملا ، كل بطريقته، لمصلحة الفحيص، واجتهدا؛ وكانت اجتهاداتهما صائبة في أحيان، وخاطئة في أحيان أخرى. وإذا افترضنا بأن ما طُرح في «مذكرة التفاهم» (2016) كان فعلاً لمصلحة الفحيص، فلماذا مورست الضغوط على المجلسين البلديين السابقين ؟ إننا على استعداد لتذكير الاستاذ عمر بتلك الضغوط (إذ لدينا ملف كامل بوقائعها)، ولكن يكفي التذكير بإضطرار ستة من أعضاء المجلس البلدي الأسبق إلى تقديم استقالاتهم من المجلس (آذار 2017) من شدّة ما تعرضوا له من ضغوط مباشرة وغير مباشرة للقبول ﺑ «الصفقة» التي كانت مطروحة؟ ! إن إعادة فتح تلك «الدفاتر القديمة» يحمل في طياته مخاطر إيقاظ الإنقسامات ، وهو أمر مرفوض ومستهجن من أشخاص يتحملون مسؤولية رسمية. إن من أولى واجبات الشخص المسؤول توحيد أبناء وبنات المدينة حول قواسم مشتركة تجمع بينهم، وليس العودة إلى الفرقة.

 

لا نحب إعادة فتح صفحات التاريخ، بالرغم من أن التاريخ «أعظم معلّم»؛ لكننا نذكّر بأن ما يسمى «مكتسبات» هي في الواقع حقوق انتزعها أهالي الفحيص بنضالهم عام 2013. فقد اتخذ المجلس البلدي آنذاك قراراً (8/6/2013) بتنظيم أراضي المصنع بإعتبارها سكناً أخضر، وذلك بدون أي مقابل من الشركة. عندها، هبّ أهالي الفحيص معبّرين عن احتجاجهم ورفضهم لهذا القرار المجحف، الأمر الذي أدى بعدها بالمجلس البلدي إلى إجراء مفاوضات مع شركة لافارج انتهت بالإقرار بالعوائد وبحقوق أخرى عديدة استمرت البلدية في استيفائها من الشركة. والمغزى: أن ضغوط المجتمع المحلي هي التي تؤدي إلى انتزاع مكتسبات، إذا شئنا أن نسميها هكذا، أو حقوق، لا فرق. وما كان صحيحاً في الماضي، لا يزال صحيحاً اليوم، بل أكثر من أي يوم مضى.

 

إن تشويه الماضي محاولة لتسويق الحلول المطبوخة الآن لقضية الأراضي والتي بات يعرفها أهالي الفحيص جيداً. عندما كان أهالي الفحيص ومؤسساتهم المدنية والعشائرية يعتصمون ويرفعون الشعارات في دوار الفحيص، فليس هذا لأنهم «عاطفيين» أو «مشاغبين»، بل لأيمانهم العميق بأن العمل الشعبي هو الذي شكّل الجدار الذي حمى قضية الأراضي وحقوق الفحيص من الضياع. ونذكّر «العمدة» بأن العديد ممّن اعتبرهم «عاطفيين» أو «مشاغبين» يجلسون معه اليوم كأعضاء في المجلس البلدي! فهل هذا استفزاز لهم، ومن ورائهم لكل العمل الشعبي الذي ربما يتمنى رئيس البلدية عدم وجوده أصلاً ؟!  والدليل على ذلك ما ورد من أقواله في حوار «هوا الفحيص» : «هذا النوع من العمليات أقرب ما يكون إلى الصفقات.. هذا النوع من العمليات لا يُرمى في الشوارع..أتركونا نشتغل»..وكأن قضية كبرى كقضية أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت يجب ان تبتعد عنها الجمعيات العشائرية ومؤسسات المجتمع المدني والعمل الشعبي بعامة؛ ولأن الأصل أن يتم التعامل مع الموضوع على أساس السعي  لعقد اتفاقية واضحة المعالم، وفقاً للقانون، وشفافة تراعي حقوق ومصالح الطرفين وليس عقد صفقة لا أحد يعرف رأسها من ذيلها، وفيما إذا كانت تنسجم مع القوانين أم لا ؟! كيف يستقيم ذلك مع تصريحه، في الحوار نفسه، عن استعداده للإلتقاء بمؤسسات المجتمع، وبأنه يتقبل الرأي والرأي الآخر ؟ أم أن هذا من باب «الإستهلاك المحلي»؟.

 ...ويأخذ رئيس البلدية على أهالي الفحيص تقديمهم شكوى لهيئة مكافحة الفساد، المستندة إلى تقرير اللجنة الملكية لتقييم عمليات التخاصية (2013). يقول متهكماً «يريدون تقييم أداء الدولة في مجال الخصخصة!... ووصل بنا الأمر إلى الإشتكاء إلى الحكومة على الحكومة»، بدلاً من حث هيئة مكافحة الفساد على البت بشكوى أهالي مدينته المقدّمة منذ عام 2017!

 

يُريدُ حوار الجمعة أن يُوحي بان البلدية جاهزة لمواجهة جميع الإحتمالات ؛ سواء أوافقت الهيئة العامة للدائنين في 10/8/2022 على خطة إعادة تنظيم شركة لافارج، أو لم توافق. عظيم. ولكن ماذا عن إعادة تأهيل الأراضي المعدّنة التي لم يذكر الأخ رئيس البلدية كلمة واحدة حولها، وبالتأكيد ليس سهواً ؟! هل سيقوم بها المالكون الجدد للأراضي؟ وهل هناك نصوص في القانون تلزمهم بذلك ؟ لماذا يُرفض إيقاف البناء في المناطق التي تشكل خطراً على السلامة العامة (والتي يطلق عليه «فرض إشارة الحظر») كالمناطق التي فيها إنزلاقات أو حفر عميقة، وهذا الإيقاف منصوص عليه في قانون البلديات ؟ أليس هذا إجراء إداري داخلي يمكن ان تلجأ إليه البلدية لحماية السلامة العامة للمواطنين وللممتلكات ؟ إنها وسيلة من بين وسائل عديدة تساهم في تقوية موقف البلدية تجاه كل من يريد العبث بحقوق الفحيص، وليس نوعاً من «المهاوشة» ؟ لماذا لا تطالب الفحيص بأن تعامل مثلما تم تعامل الحكومة مع إعادة تأهيل الاراضي المعدّنة بسبب استخراج الفوسفات في الرصيفة مثلاً ؟ لماذا لم يحدّث «العمدة» مواطني الفحيص عن أبرز الملاحظات التي قدمتها البلدية ـ من خلال محاميتها ـ حول خطة إعادة تنظيم الشركة ؟ لماذا لم يتم التأكيد على ضرورة وحدة الأراضي، عند التعامل معها، والتصدي لأية محاولة لتجزئتها؟ هل هذه «أسرار»؟!.

 

هل سيتم شراء الأراضي بعد تمليكها للبنوك، من قبل متنفذين، بعد منح صفة التنظيم ؟ وتضيع فرص الفحيص في إعادة تأهيل الأراضي على حساب لافارج، وفقاً للقانون ... وتضيع فرص «خلق واقع تنموي» جديد داخل المدينة؟؟.

 

الحقيقة أن حوار الجمعة ـ في الشق المتعلق بقضية الأراضي ـ أثار أسئلة بأكثر مما قدّم من إجابات، ظاهرها «الثقة بالنفس»، لكنها لا تستند إلى منطق واضح، أو إلى خطة مدروسة تُشرّع جميع الأسلحة القانونية وغير القانونية التي بيد البلدية في وجه المخاطر التي تتهدّد الأراضي.

 

أما ردنا على هذه النغمة التي يرددها البعض من أن كل شيء الآن بيد القضاء، ولا سبيل إلى التحرك ..فهو أن من واجب واضع خطة إعادة تنظيم الشركة أن يأخذ في الحسبان تداعيات ما يقرره على حقوق ومصالح مدينة بأكملها؛ وإذا لم يفعل ذلك فهذا يجعلنا نرجّح بان واضعها هو واحد من ثلاثة : إما ساذج أو غبي او متواطئ !  فالامر هنا لا يتعلق بشركة تصنع الشوكولاته أو الملابس، او بشركة رأس مالها مليون دينار، بل بصناعة استراتيجية لتنمية وإعمار وتطوير الوطن، وبشركة عالمية أخطبوطية، من دواعي العدالة أيضاً، إفهامها بأن مستقبل وتطور مدينة أهم بمليون مرة من مبلغ خمسين او مئة مليون دينار من الديون، تستطيع الشركة الأم تحمّلها، مثلما رحّبت بتوريد مئات ملايين الدنانير الأردنية إليها قبل عشر سنوات، عندما كان فرعها هنا يحقق الأرباح الطائلة، كان ولا يزال الوطن الأردني بحاجة ماسة لتلك المئات من الملايين. فالشريك في السراء هو حكماً شريك في الضراء، ولا يجوز التلاعب وإهمال مصالح الوطن.

 

أخيرا، نرحب بإنحياز وتبني رئيس البلدية لمخرجات الحوار المجتمعي للمجلس البلدي السابق (2019)، فيما يتعلق بالجوانب التنظيمية (التطوير الحضري)، ونتمنى عليه أن يعلن التزامه أيضاً بمخرجات ذلك الحوار فيما يتعلق بالجوانب البيئية التي  ـ في حالة الفحيص تحديداً ـ لا تقل أهمية عن الجوانب التنظيمية.

 

إن الفحيص هي اليوم أحوج ما تكون إلى تعظيم نقاط القوة لديها، وتعزيز وحدة أهاليها والوقوف بصلابة خلف المجلس البلدي لكي تتمكن الفحيص من إجتياز هذه المرحلة الجديدة من نضالها الطويل لإستعادة حقوقها. وما ضاع حق وراؤه.

*مثلٌ يُضرب في الشخص الذي يقوم بأداء عملٍ ما بطريقة خاطئة، تنبيهاً له (قاموس «المنجد في اللغة والإعلام»).  

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير