بوتين وأردوغان في إيران غدا لبحث الملف السوري
في خضم الحرب التي يخوضها في أوكرانيا، ينتقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غدا الثلاثاء إلى طهران ليبحث مع نظيريه الإيراني والتركي في معركة أخرى محتملة يهدّد رجب طيب أردوغان بشنها في سوريا.
ولعبت كل من روسيا وإيران وتركيا دورا نافذا في النزاع السوري منذ اندلاعه العام 2011. وقاد دعم موسكو وطهران للرئيس بشار الأسد إلى تغيير المعادلة على الأرض لصالح قواته، بينما دعمت تركيا فصائل معارضة.
ويستضيف إبراهيم رئيسي نظيريه الروسي والتركي في أول لقاء ثلاثي على مستوى الرؤساء منذ عام 2019 ضمن إطار "عملية أستانا للسلام" الرامية لإنهاء النزاع السوري.
كذلك، ستتيح اللقاءات الثنائية التي ستعقد في طهران، ويجمع أحدها بين بوتين وأردوغان للمرة الأولى منذ غزو أوكرانيا في شباط/فبراير، البحث في ملفات شائكة مثل تداعيات هذه الحرب والاتفاق النووي الإيراني.
وأكد الكرملين لدى الإعلان عن القمة هذا الشهر أنها ستخصص لملف سوريا.
ويقول المحلل الروسي الخبير في الشرق الأوسط فلاديمير سوتنيكوف لوكالة فرانس برس "توقيت عقد هذه القمة لم يُحدّد بالصدفة".
ويضيف "بينما تنفّذ روسيا +عمليتها الخاصة+ في أوكرانيا، تريد تركيا أيضا أن تشنّ +عملية خاصة+ في سوريا"، معتبرا ذلك "المسألة الأساسية في القمة".
ويلوّح أردوغان منذ شهرين بشنّ عملية عسكرية ضد مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري، تنطلق من الحدود التركية وتمتد إلى منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب شمالي سوريا. وتسيطر تركيا وفصائل سورية موالية لها منذ 2016 على مناطق حدودية متاخمة في الشمال.
وتخشى أنقرة وجودا قويا لأكراد سوريا عند حدودها، ما قد يعزّز موقع حزب العمال الكردستاني المتمرد داخلها والذي تصنفه منظمة إرهابية.
ووفق الباحث في الشؤون التركية في معهد كارنيغي-أوروبا سنان أولغن، "لا تريد السلطات التركية أن تخوض العملية من دون ضوء أخضر من روسيا (...)، لأن المنطقتين المستهدفتين تقعان تحت إشرافها، كما تريد تركيا التمكن من استخدام المجال الجوي".
وتحضر إيران بدورها في منطقة العملية المزمعة "من خلال مجموعات شيعية مسلّحة"، وفق أولغن الذي يشدّد على أن ذلك يدفع أردوغان للسعي إلى "نيل الضوء الأخضر" منها أيضا.
- "بازار بين القوى الكبرى" -
إلا أن الموافقة دونها حسابات معقدة.
فقد سبق لموسكو أن أعربت عن أملها في أن "تُحجِم" أنقرة عن شنّ الهجوم، بينما حذّر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان من أن عملية مماثلة قد تؤدي الى "زعزعة أمن المنطقة".
وحثّت قوات سوريا الديمقراطية الجمعة موسكو وطهران على منع أنقرة من تنفيذ تهديداتها.
وأبدى قائدها مظلوم عبدي ثقته بأن "روسيا وإيران لن توافقا على مطالب تركيا"، آملا في ألا تكون سوريا "محط بازارات بين القوى الكبرى".
ويرى الباحث في معهد "نيولاينز" نيكولاس هيراس أن "إيران وروسيا تريدان الحؤول دون عملية عسكرية تركية أخرى شمالي سوريا"، مشيرا إلى أن "إيران تؤسس لحضور في حلب ومحيطها ما يثير قلق تركيا، وروسيا (...) تتراجع في سوريا لصالح إيران".
وتطرقت تقارير في الآونة الأخيرة إلى احتمال خفض روسيا حضورها العسكري في سوريا لانشغالها في أوكرانيا، وأن يعوّض ذلك بتعزيز الوجود الإيراني.
ودخلت روسيا منذ العام 2015 على خط النزاع في سوريا عسكريا. وتؤكد إيران تواجد أفراد من قواتها بمهام "استشارية"، وتدعم حزب الله اللبناني الذي يقاتل إلى جانب قوات النظام.
ووفق المحلل السياسي الإيراني أحمد زيد أبادي، تريد إيران وروسيا وتركيا التنسيق "أقله لعدم زيادة التوترات بينها".
إلا أنه يحذّر من أن التفاهم ليس محسوما "إذ لكل من هذه الدول رؤيتها الخاصة بشأن سوريا، وفي أعقاب الحرب في أوكرانيا، أعتقد أن تباينات جديدة نشأت بينها".
- وساطة تركية في أوكرانيا -
وتشكل الحرب الأوكرانية نقطة التجاذب الأساسية راهنا بين روسيا من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى، خصوصا الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الذي تنتمي إليه تركيا.
ويأتي اللقاء الثلاثي بعد أيام من جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط.
ويقول سوتنيكوف إن لقاءات طهران ستشمل "العملية الروسية في أوكرانيا التي غيّرت الوضع الجيوسياسي في العالم"، مذكّرا بأن "للرئيس التركي علاقات شراكة مع روسيا وأوكرانيا، ولهذا يؤدي دور الوسيط في هذا النزاع".
ويضيف "بالنسبة إلى روسيا، الحفاظ على الشراكة مع تركيا مهم جدا".
واستضافت إسطنبول الأربعاء مباحثات بين موسكو وكييف لكسر الجمود في تصدير الحبوب من أوكرانيا الذي تسبب بارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميا، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار الطاقة بسبب العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا ردا على الحرب.
أما في الشق الروسي-الإيراني، فيتوقع زيد أبادي أن يجري الجانبان "مباحثات معمّقة وجادة" بشأن الجهود المتعثّرة لإحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة أحاديا عام 2018، مرجحا أن "تشجّع" موسكو طهران على إحياء الاتفاق "رغبة منها في تفادي التصعيد بين إيران ودول المنطقة، وبالتالي مع الغرب".
وتشارك روسيا في مباحثات بدأت قبل أكثر من عام بين إيران والقوى الكبرى لإحياء الاتفاق الذي أتاح رفع عقوبات دولية عن الجمهورية الإسلامية في مقابل تقييد برنامجها النووي.
كذلك، يحتمل أن يبحثا في "طبيعة التعاون العسكري (...) بما يشمل شراء الطائرات المسيّرة"، وفق زيد أبادي.
وكشف البيت الأبيض مؤخرا أن روسيا تعتزم الحصول على طائرات مسيّرة إيرانية لاستخدامها في أوكرانيا.
ورفض الكرملين التعليق على هذه المعلومات، بينما اعتبر وزير الخارجية الإيراني الجمعة أن "لا أساس" لهذه المزاعم.