حجم السخرية والانتقاد مؤشر على الاحتقان والإحباط
د. ابراهيم البدور
ازدادت في الآونة الأخيرة عبارات التهكم والسخرية على صفحات التواصل الاجتماعي من أي حدث يمر به البلد (آخرها حادثة صهريج النضح)، وأصبحت البوستات وتركيب الصور ومقاطع الفيديو هي طريقة التعبير الأشهر عما يعانيه الناس من إحباط واحتقان.
في السابق كان السياسيون والمسؤولون هم المستهدفون بالقسط الأكبر من التهكم، كونهم يصنعون القرار، وكونهم جاذبين بحكم مواقعهم كأشخاص عاميين، لكن في الآونة الأخيرة ازدادت وتيرة السخرية وأصبح اي شخص تحدث عنده حادثة يتعرض لنفس السخرية والتهكم لا بل تعداه الى التشكيك في أصل القضية ورسم سيناريوهات، جزء منها غير حقيقي.
المشهورون بهذا الأسلوب الساخر في التعبير عن الإحباط والاحتقان هم المصريون، عكس الأردنيين الذين، وبحكم الموروث الثقافي، لا يميلون إلى السخرية والنكات أو حتى الضحك لاعتقاد مفاده «أن كثر الضحك يقلل الهيبة».
لكن البطالة والوضع الاقتصادي الصعب وزيادة الاسعار وارتفاع الوقود بشكل متكرر وعدم السماع والاستماع الى آراء الناس، حتى آراء الكُتاب والصحفيين، ذهب بالجميع الى التخلي عن «الكشرة» والذهاب نحو مواقع التواصل للتعبير بسخرية عن هذه الاحباطات.
عندما تجلس مع مسؤولين حاليين ترى جحم الغضب والانتقاد لهذه الممارسات. أنا لا ألومهم في بعض النواحي، لكن الغريب ان هؤلاء عندما يخرجون من مواقعهم يتحولون أيضاً الى نفس الأسلوب!، حيث ترى وزراء ومسؤولين سابقين يكتبون على صفحاتهم في مواقع التواصل عبارات سخرية واستهزاء وانتقاد، بعضها جارح.
لا أُنكر ان هناك كلاما جارحا، ولا أُنكر انه توجد إساءات وكلام بذيء، كما لا أُنكر حجم الانحدار في بعض التعليقات التي أستحي أن أقرأها ولا أستسيغ وجودها.
«لكن» حجم الاحتقان كبير وحجم الاحباط هائل وحجم الفتور عند الناس وصل لمستويات متقدمة، فالكل ينظر ولا يعرف ما الذي عليه ان يفعله، فالضربات متتابعة والرفعات متوالية وارتفاع الاسعار طال جميع السلع ولا بصيص امل يلوح في الافق حتى مع كلمات رئيس الوزراء التشجيعية « اجمل أيام الأردن هي التي لم تأت بعد».
الغريب أيضًا انه لا يوجد تفاعل من المسؤولين مع هذا الإحباط والسخرية – الا انتقاده-، فلا أحد يطرح حلولا ولا أحد يقدم خطة ولا توجد حتى دراسة اجتماعية تحدد مكامن الخلل وتقدم توصيات!
الجميع يتابع وينتقد، والامور تتسارع وتنحدر، والاحباط يتسع، ولا يتم التعامل معها كمشكلة بحاجة لحل بل يتعامل معها المسؤولون بنظام القطعة ونظام الفزعة.
المطلوب وبشكل سريع؛ عمل دراسة اجتماعية مع تحليل واقع المشكلة ووضع توصيات للسيطرة على هذه الظاهرة أو حتى الحد منها، ونزول المسؤولين الى الشارع وزيارة المؤسسات التابعة لهم وفتح أبوابهم وسماع شكوى الناس ومحاولة حل الممكن منها وذلك لاستيعاب هذا الإحباط والاحتقان المتنامي.
أما إذا بقينا ندير الأمور بنفس الأسلوب «الطبطبة» وعدم الاكتراث، ونبتعد عن الاشتباك مع الناس، فأعتقد أننا مقبلون على مشكلة حقيقية، وأن الوضع سيزداد سوءا.. ونحن «نتفرّج».