الاخبار العاجلة
الأستاذ

الأستاذ

د.عطالله الحجايا

تعود بي الذاكرة إلى المرحلة الإعدادية ،حين كنّا نقرأ اسمه على كتب القواعد في أواخر سبعينيات القرن الماضي ،كانت مؤلفاته قد سهّلت لنا الصعب وقربت إلينا المسافات ومهّدت لنا سبل المعرفة ،ثم كان اللقاء في قاعة الدرس في الجامعة الأردنية  متعة تمازجت بها الفصاحة بالروح العذبة ،فدرسنا عليه "مغني اللبيب "لابن هشام" وقد كان أستاذنا يطلب منّا أن نحضر الكتاب لنستعين به يوم الامتحان؛ لأنّه كان يختبر أفهامنا لا ذاكرتنا، وكان يؤكّد لنا أن طريقة الوصول للمعرفة لا تقل أهمية عن امتلاكها، ولذلك فإن الكتاب الذي تدرسه على نهاد الموسى يظلّ ملازما لك لأنه أثار خلال تعليمه عشرات القضايا حول مسائل الكتاب، فكنّا ندون على هامشه لطائف أستاذنا ونظراته لتظل نبراسَنا الهادي للفهم والتحليل والتعليل، ولذلك لم يخلُ امتحان له من عبارة "عللا" وهو خطاب تفرّد به ليؤكّد خطابه للجنسين دون تغليب .

ثمّ عدت مرة أخرى لأعمل "بمعيّته" ولا أقول زاملته في "فريق الإشراف على تأليف كتب اللغة العربية "لأننا عدنا بين يديه تلامذةً نهتدي برؤاه الصائبة وأفكاره المتقدّمة في التطوير ،وقد كان حريصا على أن لا نسرف في "الكمّ" حتى لا ينفر النشء من ثقل المادة ، 

ثم إذا اجمعتنا به في "سقيفته" كما كنت أسمّيها نتبسط بالحديث بين يديه ،ويتخلّى هو عن سمْت الأستاذ فيتكشّف لنا عن إنسان لطيف المعشر حاضر النكته بيّن التواضع ،شائق الحديث،كريم الوفادة  ،فلم يكن يخرجنا من سقيفته إلا الحياء من طول المكوث حتى لا نثقل وقد أثقلنا .

 

ومرّة أخرى عدت بين يديه تلميذا في برنامج الدكتوراة لأدرس اللسانيات ، فكان -رحمه الله- مبتدأ تعلّمي ومنتهاه ، رسّخ في وجداني الدرس اللغوي قديمه وحديثه.
 
لا أريد أن أسرد سيرتي مع الأستاذ بمقدار ما أريد توثيق سيرته فينا وأثره الجليل في توجيهنا وتعليمنا ، وسنظل في سجلّه  عــالة على علمه حفَظَةً لفضله ماحيينا .

رحم الله أستاذي وغفر له ،وألهم زوجته الفاضلة وأبناءه وبناته وأحفاده الصبر وحسن العزاء ، وجزاه الله بعلمه وأثره وخدمته للعربية خير الجزاء وجمعنا به في مستقرّ رحمته يوم أن نلقاه.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).