الحدود الأردنية السورية.. "حرب مخدرات" وأكثر
رفعت الرواية الأردنية، من وتيرة الخطر الذي يختبئ خلف الحدود الشمالية، عندما انتقلت إلى وصف الأمر بـ"حرب مخدرات" بعد أن كان التصور أنها عمليات تهريب "اعتيادية"، طرفها الآخر مليشيات سورية ولبنانية محسوية على إيران، مع تلميح بمشاركة "مراكز نفوذ" تابعة لنظام دمشق.
رغم أن الدولة الأردنية، على قناعة أن جيشها وأجهزتها الاستخباراتية والأمنية، قادرة على المواجهة والردع مهما بلغ حجم الخطر الذي يمثله الطرف الآخر، إلا أن القلق مشروع، والصداع الدائم الذي يسببه هذا الملف يجب أن ينتهي أو ينحسر إلى أدنى حدوده، قبل أن يكبر حجم الاستنزاف وتتسع رقعته.
ولعل طريقة التهريب الجديدة القائمة على التنظيم الفائق التدابير، والمستند إلى فعل عسكرتاري أكثر منه عصابة أشرار، هي التي دفعت إلى إطلاق وصف الحرب، والذي جاء إطلاقه بعد زيارة الملك إلى الولايات المتحدة ولقائه الرئيس جو بايدن.
فالملك ورغم أن الملف الفلسطيني كان ساخنا جدا خلال تلك الزيارة واستحوذ على اهتمام جلالته جراء تصاعدة حدة الاعتداءات الإسرائيلية في القدس، واغتيال الإعلامية شيرين أبو عاقلة، إلا أن ملف الحدود الشمالية كان حاضرا أيضا وظهر جليا في حوار الملك مع الجنرال الأميركي المتقاعد هربرت ماكماستر.
الملك قال صراحةً، "إن الوجود الروسي في جنوب سوريا كان يشكل مصدرا للتهدئة، وإن فراغهم سيملؤه الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا".
المعطيات الجديدة إذا، فرضت إيقاعا جديدا على الأردن الذي رفع وتيرة التصدي للملف من الأرض (المواجهات العسكرية) إلى طاولات السياسة والأمن بمفهومه العابر للحدود، كون الأمر يتخطى محاولات التهريب والتسلل إلى ما هو أبعد من ذلك، مع استحضار روائية "الهلال الشيعي" الذي حذر منه جلالة الملك غير مرة.
أردنيا، ثمة سلسلة من الأهداف والغايات والأسباب المقصودة وغير المقصودة، أرادت عمان تحقيقها من إعلانها الحرب على "المخدرات المعسكرة"، لعل من أبرزها تنبيه السعودية ودول الخليج "وجهة المخدرات" إلى خطورة ما يجري، وأن مواجهته تحتاج لجهد جماعي ودعم حقيقي للجبهة الأردنية.
كما يوصل الأردن تحذيرا ملكيا جديا من حدوث فراغ في المناطق الجنوبية من سوريا، نتيجة انسحابات روسية استدعتها الحرب الأوكرانية الروسية المستمرة، ذلك أن الفراغ هنا، ستملأه المليشيات الإيرانية، وجرى هنا التركيز على البعد الإيراني، حيث لم تتهم عمان دمشق بصورة مباشرة.
الأردن يعلن بهذا الموقف، تجميد أو انتهاء مسار الانفراج بين عواصم عربية ونظام بشار الأسد، فالاتصال الشهير بين جلالة الملك مع بشار الأسد، وزيارة الأخير للإمارات، كأنها لم تثمر، وكأن مقاربة التأهيل والمساعدة للأسد لم تعد أولوية.
كما أراد الأردن أن يربط بين المخدرات وتمويل الميليشيات الإيرانية، ما يؤكد أنها تعاني ماليا، وأن الراعي الإيراني يعاني كذلك، ما يستلزم أن تتضافر الجهود لوقف المخدرات كمعادل موضوعي لوقف تمويل النشاط المليشياتي، وهنا على دول كثيرة تلقي الرسالة.
على صعيد ذي صلة، فإن التصعيد الجديد يعلن بوضوح أيضا، نهاية فكرة الممر السوري نحو لبنان، المتعلق بنقل الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى بيروت المنكوبة.
ويُقرأ في حيثيات ما يحدث، أن تغيير قواعد الاشتباك مع المهربين لتصبح حربا مفتوحة مع ميليشيات طائفية مرفوضة شعبيا من الأردنيين، وإدماج الداخل الأردني في الانتباه لتطورات الموقف، يصنع أولوية أردنية يجمع عليها الناس ويمنحونها غطاءً كاملا.
على المستوى الأميركي، من شأن ذلك أن يلفت نظر الولايات المتحدة بأن الحرس الثوري الإيراني كما فيلق القدس هم من يقومون بحماية تلك الميليشيات، وأنه من الضروري إبقائهم ضمن لوائح الإرهاب، ولعل تلك الخطوة تساعد في إرضاء الرياض وعواصم أخرى، كما أنها تدفع باتجاه مزيد من السكون على مفاوضات فيينا.
وبالإضافة إلى ما سبق، حث إدارة بايدن أيضا على عدم التفكير بإخلاء قاعدة التنف، فبقاؤها مصلحة أردنية، وخروجها سيضيف فراغا يضاف إلى فراغات التقلص الروسي في سوريا، والتلويح بعودة غرفة "الموك" كبديل عن الفراغات التي ستحدثها الانسحابات الروسية من جهة، واستثمار ذلك بإنشاء مزيد من الضغط على الروس للبقاء في سوريا هربا من "وصمة الهزيمة والانسحاب".
بالمحصلة، يحسن الأردن العمل بالتعامل مع "حرب المخدرات" بمنطق الدور الإقليمي والعالمي، مع تعزيز الموقف داخليا حول وجود عدو خارجي يجب التكاتف لمواجهته، ذلك أن على المملكة أن تدير "ملف التوازنات" بارتبطاته وتشعباته وتناقضاته أيضا بذكاء عال المستوى، كالحفاظ على التنسيق مع موسكو، واسترضاء أميركا وجلب الرياض إلى مربع المساعدة، وكذلك الإبقاء على خيط رفيع مع دمشق.
(ورقة عمل لمؤسسة مسارات الأردنية للتنمية والتطوير)