أبو غزالة يكتب: الإعصار القادم في الاقتصاد العالمي
كتب رجل الأعمال طلال أبو غزالة:
• كما توقعت في مقابلات وتصريحات نشرت سابقا، لقد دخل العالم مرحلة ما يعرف بـ Stagflation (Stagnation الجزيرة Inflation) أي تزامن الركود مع التضخم، وهو مزيج غريب وصعب في نفس الوقت، أي أنه في الوقت الذي يسود الكساد في النشاط التجاري بكل أشكاله من سلع وخدمات يرافق ذلك غلاء في الأسعار رغم توافر البضائع.
• وما دمنا دائما نؤمن بما يأتينا من الولايات المتحدة الأمريكية، فانني أشير إلى كلام جيمي ديمون، رئيس أكبر بنك أمريكي وهو (JP Morgan) عندما أعلن أن هنالك إعصارا قادما في الاقتصاد العالمي وطمأن العملاء بأن بنكه إذ يحذر من ذلك يود أن يطمئن الجمهور الأمريكي بأنه يستعد لمواجهة هذا الإعصار.
• واللافت في كلام جيمي ديمون، فيما أعلنه في مؤتمر مالي في نيويورك حرفيا ما يلي: «كنت أتحدث عن السحب الرعدية ولكنني الآن أريد أن أقوم بتصحيح ذلك، فهنالك إعصار قادم» ونصح المحللين والمستثمرين التمسك بالسياسات المتحفظة جدا. وأنا من منطلق ما تمليه علي الأمانة وحب الحقيقة أقول «إنها خير نصيحة أن تعترف بوجود المشكلة وأن تواجهها بالإجراءات الممكنة».
• أما البنك الفيدرالي الأمريكي فقد أعلن أن البرنامج المعروف (Quantitative easing)، أي ما يعرف بالتسهيل الكمي سينخفض من خلال التشديد الكمي ليصل إلى 95 مليار دولار شهريا. ويقول السيد جيمي ديمون «إن هذا أعلى مستوى تشديد تشهده أمريكا منذ قيامها وسيكون حدثا تاريخيا سيتم تثبيته في كتب التاريخ في السنوات الخمسين القادمة».
• أقول هذا لأن الحكمة تقضي بأن نعترف بالحقيقة ونعمل على مواجهتها بجرأة وصراحة. ولا أظن أن مثل هذه النصيحة يجوز لأحد أن يسميها تشاؤما أو إساءة للسمعة الاقتصادية أو إحباطا لنفوس المواطنين، بل توجها حمائيا لما سيحصل حسب كل المؤشرات والمعايير الدولية التي لا اخترعها بل كتلميذ يدرسها ويحللها.
• سمعنا كثيرا في وسائل الإعلام تحليلات بأن هذا الإعصار المتوقع كما سماه جيمي ديمون هو نتيجة الحرب الأوروبية الأمريكية الروسية «الأوكرانية» (مقالتي بتاريخ 1 / 3 / 2022). قد يكون للحرب في أوروبا تأثيرها ولكن الحقيقة التي يجب أن يقر بها العالم هي أن هذا الوضع هو نتيجة للعقوبات الأحادية التجارية المتبادلة التي تفرضها الدول على بعضها.
• وأذكر أنني من خلال وجودي على مجلس خبراء المنظمة العالمية للتجارة WTO قد ركزنا كثيرا على أن أي عقوبات تجارية لا يجوز أن تكون إلا بموجب اتفاقيات التجارة العالمية، وأن يحكمها الجهاز القانوني في المنظمة وهو هيئة مستقلة (dispute settlement body) وهي التي تقرر العقوبات على من يفرض عقوبات أحادية بما فيه دفع التعويضات عن الأضرار الناتجة من إجراءاته الأحادية. وقد حذرت في العديد من المناسبات إلى أن الإهمال الكامل للنظام التجاري العالمي الذي اتفقت كل دول العالم عليه من خلال إتفاقيات التجارة العالمية الموقعة من قبل جميع حكومات العالم، يهدف الى تدمير النظام التجاري العالمي إلى أن أصبحنا نعيش في عالم دون نظام يطبق ودون قيادة عالمية تحترم.
• أما بالنسبة إلى سلاسل التوريد التي كان لي الحظ في العمل على دراستها في ظل المنظمة العالمية للتجارة فإنني كنت منفردا على مجلس خبرائها في معارضتي لجدواها لأنها سريعة العطب. ففي الحين الذي نجد فيها فوائد عظيمة في التوفير في تكلفة الإنتاج من خلال أن يتم إنتاج أي منتج من خلال شراكة بين الدول وبحيث إن كل دولة تقدم جزءا من المكونات بما يحقق جودة الإنتاج متكاملا وتكلفته الكلية. إلا أن العقوبات التجارية الأحادية التي يمكن أن يفرضها أحد الشركاء في هذه السلسلة تحدث شللا في المنتج بكامله، وهذا ما نراه ليس في الحرب الأوروبية - الأمريكية - الروسية الحالية فقط بل في التجارة العالمية كاملة. وهنا أود أن أقول إن طبيعة العقوبات الأحادية أنها تنتج آثارا سلبية على الأطراف ذات العلاقة وعلى غيرها.
• وأرى من واجبي أن أعلن أنني أنظر إلى هذا الوضع بكل قلق إيجابي لأن القلق الإيجابي يدفع إلى المعالجة بدل الاستسلام للقلق السلبي. وعليه أقول إن ما سماه رئيس بنك JP Morgan الإعصار سيزداد شدة وستزداد معه الحروب قسوة وشمولا للعالم إلى أن يجلس الكبار في هذا العالم عند وصولهم إلى قناعة ألا منتصر بينهم في الحرب العالمية الثالثة هذه بقيادة «الصين وروسيا» من جهة مقابل «أمريكا وبريطانيا»، وأن عليهم صياغة نظام عالمي جديد تخرج منه قيادة عالمية جديدة.
وأقول هذا مع تقديري لما قدمته أمريكا للعالم لأن قبولها لنظام عالمي جديد هو في مصلحتها قبل غيرها.
• وأقول لمن يتهمني بالتشاؤم والإحباط أن مجموعة طلال أبوغزالة العالمية تعمل باستمرار على تطوير البرامج المناسبة لمواجهة الإعصار وأنني شخصيا أومن بنعمة القلق الإيجابي الذي يفرض علينا، (وهنا أخاطب زملائي في مؤسساتنا) أن نكون دائما قلقين إيجابيا ويوميا وباستمرار لأن لكل مرحلة ولكل يوم إجراءات واجبة لمواجهته لمن يريد أن يحقق النجاح. ولا يجوز أن ننتظر وقوع الحدث بل العمل الدؤوب لمواجهته لتحقيق أقل الخسائر، بل لتحقيق النجاح والاستفادة منه. وأكرر ما أقوله دائما بأنه حتى في الحروب والكوارث تتوفر هنالك فرص يمكن الاستفادة منها.
• ولذلك، في التقرير الشهري الذي يقدمه كل مديري النشاطات (وعددهم مائتان) على كل منهم أن يمارس مسؤولية القلق الإيجابي في ذكر التحديات القادمة المتوقعة واقتراحاته الاستباقية لمواجهتها.