المعلم الذي لم نقدره
حسين الرواشدة
هل فشلنا حقا في تقدير المعلم؟ الإجابة نعم، لكنها ليست من عندي، فقد صكها، قبل أيام، رئيس الوزراء الأسبق، عبد الرؤوف الروابدة، قال: “المعلم كان من أحسن موظفي الدولة قديما، لكننا لم ننجح بتقديره”، لا أعتقد أن أحدا يختلف مع الرئيس الأسبق فيما ذهب إليه، هيبة المعلم تراجعت، ومهنة التعليم لم تعد كما كانت.
المسألة، هنا، ليست جزءا من “اللطميات “التي نمارسها، أحيانا، لانتقاد أوضاعنا، والتآسي على ماض فات، وإنما، هي، أو يجب أن تكون، صرخة من أعماق ضمائرنا، لنصحو على إيقاع “حي” على العمل، لا “حي” على المناكفة والتلاوم، وتسجيل الانتصارات الوهمية ضد بعضنا بعضا.
أعرف أن ملف المعلمين أصبح ملغوما بالأسئلة والألغاز، وأن الكتابة عنه أصبحت تهمة، أعرف، أيضا، أن الأخطاء التي حدثت، منذ سنوات طويلة، تتحملها جميع الأطراف: الإدارة العامة للدولة، وتحديدا وزارة التربية والتعليم، المجتمع، والمعلمون أنفسهم، وإن كانت أنصبة المسؤولية متفاوتة، أعرف، ثالثا، أن بعض المسؤولين، ما زالوا مصرين على تغييب المعلم من أي خطاب عام، أو من حضور أي مناسبة رسمية، كمحاولة لشطب القضية من الذاكرة الشعبية.
أرجو أن اذكر هؤلاء أن المعلم جزء من قيم الدولة وبناتها، ومرتكز من مرتكزتها، وأن إعادة الاعتبار إليه يصب بمصلحة الدولة، أذكرهم، ثانيا، أن أول موظف من بين 100 تصدروا قائمة التوظيف بالإدارة الأردنية كان معلما (اسمه يعقوب التعمري، عيّن مديرا لمدرسة الطيبة العام 1919 )، أذكّرهم، ثالثا، أن إهانة أي معلم، تحت أية ذريعة، هي إهانة للأردنيين، وأن بناء الجيل الجديد، الذي نراهن عليه لبناء مستقبلنا، مرتبط تماما بإرادتنا وقدرتنا على إصلاح التعليم، ولا إصلاح للتعليم إلا من خلال إصلاح حال المعلم.
لا أريد أن افتح ملف التعليم، أشير، فقط، إلى أن 80 % من طلاب الثاني والثالث الابتدائي دون مستوى مرحلتهم بالقراءة والكتابة (أكثر من 100.000 طالب لا يقرأون الحروف العربية ) وأن تقييم الأردن باختبار التميز الدولي للرياضيات والعلوم تراجع خلال السنوات الماضية، ثم أحيل للقارئ الكريم لأطنان من الاستراتيجيات والتوصيات التي صرفت لتطوير التعليم، فيما ما يزال أكثر من %30 من المدارس مستأجرة، و20 % لم يصلها الإنترنت، وأكثر من 44.000 طالب وطالبة تسربوا من مدارسهم بين الأعوام 2011 – 2019.
لماذا حدث ذلك؟ الأسباب كثيرة ومتنوعة، وقد سبقني كثير من المتخصصين لتشخيص الأزمة، ووضع ما يلزم من اقتراحات لمواجهتها، يعنيني هنا المعلم (لدينا أكثر من 140.000 معلم في القطاعين العام والخاص )، وهو بحاجة لمسألتين: الاحترام والاهتمام، تحت بند الاحترام يمكن أن أدرج عشرات المطالب التي ينتظرها المعلم من الدولة والمجتمع، لكن أبرزها “الكرامة “، هذه التي تعلمناها منه، ومن الواجب أن نكرمه برد التحية عليه بأفضل منها.
أما الاهتمام فأبوابه واسعة، تبدأ من تأمين الدخل المناسب، والمكان المناسب، والظروف والمناهج اللائقة، وغيرها مما يستحقه ليكون رقم (1) على قائمة الموظفين في الدولة، من حيث الحقوق والامتيازات والقيمة الاجتماعية.
لاحظ، هنا، أنني تعمدت عدم فتح ملف “النقابة”، التي أغلقت قبل نحو عامين، وملف المحالين على الاستيداع والتقاعد المبكر (بقي منهم 70 معلما لم يعودوا لوظائفهم)، فعلت ذلك لسببين، الأول أنني سبق وكتبت عن الموضوع، وأتمنى أن يغلق تماما، لاسيما وأن قرار وقف النقابة ينتهي بعد نحو 20 يوما.
أما السبب الثاني، فهو أن قضية إغلاق النقابة مهما اختلفنا حول أسبابها، والأخطاء التي أحاطت بها، تشكل أزمة وطنية، وتحتاج إلى إرادة سياسية لتجاوزها بتوافقات، تضمن الصالح العام، وتعيد للمعلم هيبته، وأعتقد أن ذلك سيحصل قريبا.
بقي أن أقول: حين كان التعليم في بلادنا بخير، كانت مهنة المعلم مقدسة، وقيمته محفوظة ومعتبرة، أما حين دخل على الخط بعض الشطار والتجار، وتم تهميش دور المعلم، كانت النتيجة أننا خسرنا جميعا، وقد حان الوقت لوقف كل تلك الخسارات، فلا إصلاح، ولا نهضة، ولا استقرار، بلا تعليم حر، ومعلمين أحرار.