الموازنة... 77% من موظفي القطاع العام تحت خط الفقر

{title}
أخبار الأردن -

قال الخبير الاقتصادي، الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني، فهمي الكتوت إن الاقتصاد الأردني يعيش حالة اختناق غير مسبوقة، نتيجة غياب قاعدة إنتاجية قادرة على توليد النمو والدخل، مقابل اعتماد شبه كامل على الضرائب لتمويل الخزينة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الضرائب المرتفعة، ولا سيما غير المباشرة منها، دفعت الاقتصاد إلى الدخول في حلقة انكماشية حادة تتجلى في المعادلة التالية: ارتفاع الضرائب، ثم تراجع الطلب، يليه انخفاض أرباح الشركات، وإحجام المستثمرين، وتباطؤ النمو، وارتفاع البطالة، ثم تراجع الإيرادات، فالمزيد من الضرائب، وهو ما وصفه بـ"الدائرة المغلقة التي تخنق النشاط الاقتصادي وتمنع التعافي".

وبيّن الكتوت أن الموازنة العامة أصبحت موازنة تُموِّل ذاتها بالضرائب والاقتراض، في ظل تراجع دور الدولة الإنتاجي، وضعف القطاعات القادرة على توليد القيمة المضافة، مستطردًا أن مشروع قانون الموازنة يكشف حالة اختناق مالي حاد تراكمت بفعل إخفاقات السياسات الاقتصادية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتحت ضغط برامج التصحيح وإملاءات صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى تكريس نموذج اقتصادي هش قائم على الجباية بدل التنمية.

وأشار الكتوت إلى أن الإيرادات الضريبية المقدرة بنحو 7.656 مليار دينار تعتمد بنسبة 75% على الضرائب غير المباشرة، وفي مقدمتها ضريبة المبيعات والضرائب الخاصة على المحروقات، وهي ضرائب تستنزف القدرة الشرائية للفقراء والطبقة الوسطى، مضيفًا أن العجز يُسَد عبر الاقتراض، مما رفع الدين العام إلى مستويات خطرة بلغت رسميًا 46.533 مليار دينار حتى منتصف 2025، بنسبة 119% من الناتج المحلي، مع نمو للدين يتجاوز نمو الناتج بأكثر من الضعف.

وقال الكتوت إن الدولة لا تسدد ديونها عبر إيراداتها الحقيقية، وإنما عبر موازنات تمويل تُغطّى بدورها بمزيد من الاقتراض، حيث تُظهر موازنة التمويل لعام 2026 الحاجة إلى قروض تُقدّر بـ 9.811 مليار دينار للحكومة و 2.606 مليار للهيئات المستقلة، وأن هذا النهج يفاقم هشاشة الوضع المالي ويُرحّل الأزمة بدل حلّها.

وأضاف أن بند الرواتب والأجور الذي بلغ 7.597 مليار دينار لا يعكس عدالةً في توزيع الدخل العام، إذ يذهب جزء كبير منه إلى كبار الموظفين وأصحاب الامتيازات، بينما يتقاضى 77% من موظفي القطاع العام أقل من 500 دينار، وهو مستوى يقترب من خط الفقر، متابعًا أن عدد العاطلين عن العمل يكاد يوازي عدد العاملين في القطاع العام، وأن التوجه نحو التقاعد المبكر القسري يُشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن الاجتماعي ولصندوق الضمان.

وتابع الكتوت قائلًا إن البيئة الاستثمارية والصناعة الوطنية تعانيان من ضعف شديد في التنافسية، نتيجة ضريبة المبيعات الانكماشية، وارتفاع تعرفة الكهرباء، والضرائب على المشتقات النفطية، وإلغاء الإعفاءات الضريبية على الصادرات. واعتبر أن الخطاب الرسمي الداعي إلى دعم الصناعة يتناقض مع السياسة الضريبية التي تُثقل كلف الإنتاج وتقيد فرص النمو.

وأشار إلى أنه كان على مجلس النواب ردّ مشروع الموازنة وتقديم بديل يقوم على إصلاحات حقيقية، تتمثل في:  خفض رواتب كبار الموظفين وتقليص الفجوة بينها وبين رواتب صغار العاملين بحيث لا يتجاوز الهامش ثمانية أضعاف، إعادة هيكلة المنظومة الضريبية لصالح ضرائب تصاعدية على الدخول والأرباح والريوع،  إعادة هيكلة قطاع الطاقة والتوسع في الطاقة الشمسية لتخفيض كلف الإنتاج، تحويل النفقات الرأسمالية غير المنتجة إلى مشاريع استثمارية تولد قيمة اقتصادية، وتقديم حوافز جادة للمستثمر الوطني، خصوصًا في ظل وجود ودائع تتجاوز 47 مليار دينار في البنوك، تعكس سيولة محلية كبيرة لا تدخل السوق بسبب غياب البيئة المحفزة.

ونوّه الكتوت إلى أن معالجة الأزمة تتطلب إرادة سياسية لإعادة توجيه الاقتصاد نحو الإنتاج الفعلي، وإعادة الاعتبار للدور التنموي للدولة، وبناء نموذج اقتصادي قائم على العمل والإنتاج لا على الضرائب والاقتراض.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية