الوشاح يكتب: المياه الافتراضية وأولوية الأمن المائي والغذائي في الأردن

{title}
أخبار الأردن -

 

 الدكتور رضوان الوشاح- استاذ هندسة المياه في الجامعة الاردنية

 تُعد المياه الافتراضية – أو ما يُعرف بمياه الظلال Virtual Water – من المفاهيم الحديثة التي اكتسبت أهمية متزايدة في الدول التي تعاني من شح مائي حاد، وعلى رأسها الأردن. وتشير المياه الافتراضية إلى كمية المياه المستخدمة لإنتاج سلعة غذائية أو زراعية معيّنة؛ فعند استيراد هذه السلع، تكون الدولة قد استوردت المياه التي استخدمت لإنتاجها بشكل غير مباشر، وهو ما يمثّل فرصة ثمينة للدول الفقيرة مائياً لتخفيف الضغط على مواردها النادرة.

يأتي الأردن ضمن أفقر الدول مائياً على مستوى العالم، إذ يعاني من فقر مائي مدقع نتيجة محدودية المصادر التقليدية، وزيادة الطلب، والتغيرات المناخية، والنمو السكاني المتسارع. وفي ظل هذه الظروف، لم يعد خيار الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية خياراً استراتيجياً كما كان يُنظر إليه سابقاً، بل أصبح عبئاً كبيراً على قطاع المياه الذي تُعطى فيه مياه الشرب دائماً الأولوية على مياه الزراعة.

وتُعد العديد من الزراعات المحلية شرهة للمياه، مثل الأعلاف وبعض الخضراوات والفواكه، مما يؤدي إلى استنزاف كميات كبيرة من المياه الجوفية والسطحية من أجل إنتاج محاصيل يمكن استيرادها بكلفة أقل مائياً واقتصادياً. فعندما نقوم بزراعة هذه المحاصيل محلياً، فإننا نستهلك آلاف الأمتار المكعبة من المياه في بيئة جافة، بينما يمكننا استيرادها من دول تملك وفرة مائية وتكلفة إنتاج مائية أقل بكثير. على الجانب الآخر، فإن الاستمرار في تصدير المحاصيل الشرهة للمياه يعني أننا في الحقيقة نقوم بتصدير مياهنا المحدودة إلى الخارج، وليس فقط منتجات زراعية، وهو ما يُعد خسارة مزدوجة للاقتصاد والبيئة معاً.

من هذا المنطلق، تصبح إعادة توجيه السياسات الزراعية ضرورة وطنية وليست مجرد خيار. إذ يجب العمل على الحدّ تدريجياً من زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك المرتفع للمياه، واستبدالها بمحاصيل أقل استهلاكاً أو ذات قيمة اقتصادية أعلى لكل متر مكعب ماء. كما ينبغي تعزيز مفهوم "الاستيراد بدل الإنتاج المحلي" لبعض السلع التي تُعد مائيّاً غير مجدية، بما يخفف الضغط على السدود والمياه الجوفية، ويحافظ على الأمن المائي للدولة.

إن تبني سياسات قائمة على المياه الافتراضية يسهم في تحقيق توازن بين الأمن الغذائي والأمن المائي، يتيح توجيه الموارد المائية المحدودة نحو الاستخدامات الأكثر أولوية، وعلى رأسها مياه الشرب والصناعة. كما أنه يعزّز قدرة الأردن على مواجهة تحديات التغير المناخي وازدياد الجفاف، ويدعم استدامة القطاع الزراعي من خلال تحسين كفاءة استخدام المياه وتوجيه الاستثمار نحو الزراعات الذكية مائياً.

في ضوء هذه التحديات المتراكمة، يصبح تبني مفهوم المياه الافتراضية ليس فقط ضرورة علمية، بل خياراً استراتيجياً لحماية مستقبل الأردن المائي وضمان استدامة موارده المحدودة، بما يتوافق مع مبادئ الإدارة الرشيدة للمياه وأولويات التنمية الوطنية المتكاملة.


 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية