التل يكتب: الصندوق السيادي الأردني: الاستفادة من التجربة الإندونيسية

{title}
أخبار الأردن -

د. رعد محمود التل

فتحت زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني إلى إندونيسيا خلال جولته الآسيوية الباب أمام الأردن لمرحلة جديدة في التعاون الاقتصادي والاستثماري مع الدول الآسيوية، وفي مقدمتها إندونيسيا التي تمتلك واحدة من أحدث التجارب العالمية في إدارة الأصول الحكومية من خلال صندوقها السيادي الجديد المعروف باسم دانانتارا. فخلال لقائه بممثلي الصندوق، بحضور الرئيس الإندونيسي، أكد جلالة الملك أهمية الاستفادة من هذه التجربة في تطوير وإدارة الاستثمارات الحكومية الأردنية وبناء شراكات اقتصادية جديدة، خاصة أن أولويات صندوق دانانتارا تتوافق مع مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي المتعلقة بتحفيز النمو وخلق فرص العمل وتعزيز الاستثمارات النوعية.

زيارة الملك شكلت نقطة انطلاق مهمة لفتح قناة تعاون مباشر مع أحد النماذج الناجحة في إدارة الأصول العامة بطرق حديثة وفعالة.

يمثل صندوق دانانتارا نموذجًا متطورًا تقوم فكرته الأساسية على دمج أصول الشركات المملوكة بالكامل للدولة تحت كيان مستقل يمتلك صلاحية الاستثمار والإدارة دون أن يكون جزءًا من العبء التشغيلي للحكومة. هذه الهيكلية تتيح تحويل الشركات الحكومية من وحدات تعتمد على الموازنة إلى أصول استثمارية قادرة على تحقيق عوائد مالية وتنموية. يركز الصندوق على مشاريع ذات قيمة مضافة محلية مثل الطاقة المتجددة، ومعالجة المعادن، والتصنيع الغذائي، والصناعات المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية. كما يقوم على مبدأ مهم يتمثل في وقف تصدير الموارد خام، والعمل بدلًا من ذلك على تطوير صناعات تحويلية توفر وظائف وترفع القيمة المضافة للاقتصاد الإندونيسي. هذا التوجه الاستراتيجي يعطي الصندوق دورًا مزدوجًا: تحقيق أرباح مالية من جهة، وتحفيز النمو الصناعي من جهة أخرى، وهو ما يشكل درسًا مهمًا للأردن.

تميز تجربة دانانتارا أيضًا يعتمد على قوة الحوكمة التي تحكم عمل الصندوق. فالإدارة مستقلة وذات صلاحيات واسعة، ويرأسها مجلس إدارة يضم خبراء دوليين وشخصيات لها خبرة في الاستثمار وإدارة المشاريع الكبرى. كما أن الصندوق يمتلك أدوات تمويل متنوعة تشمل الاقتراض ورهن الأصول وجذب استثمارات مشتركة من صناديق سيادية وشركات دولية. هذه الأدوات تمنحه مرونة عالية وتتيح له الدخول في مشاريع استراتيجية دون الاعتماد الكامل على التمويل الحكومي، وهو ما يعزز فعاليته ويزيد من القدرة على تنفيذ مشاريع طويلة الأمد.

في الأردن، تشكل شركة إدارة الاستثمارات الحكومية الأساس الذي يمكن البناء عليه لتحويلها إلى صندوق سيادي مماثل. تمتلك الدولة حصصًا في شركات استراتيجية في قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والاتصالات، والخدمات، والصناعة، ويمكن دمج هذه الأصول في كيان واحد مستقل يعمل على إدارتها وتوجيه عوائدها نحو مشاريع تنموية حقيقية. هذا التحول يتطلب إطارًا قانونيًا واضحًا يضمن استقلالية الصندوق وحوكمته، ويحدد العلاقة بينه وبين الحكومة، ويوفر آليات لتقييم الأداء ومراجعة القرارات الاستثمارية وإدارة المخاطر.

تحويل الشركة إلى صندوق سيادي أردني سيمنح الاقتصاد الوطني أدوات جديدة لتمويل المشاريع الكبرى دون زيادة الاعتماد على الاقتراض أو على الموازنة العامة. كما سيتيح جذب شراكات دولية مع صناديق سيادية آسيوية وخليجية، إضافة إلى شركات عالمية تبحث عن فرص استثمارية مستقرة في الشرق الأوسط. ويمكن للصندوق أن يصبح جهة استثمارية تقود مشاريع في الطاقة المتجددة، والصناعة الغذائية، والتحول الرقمي، والخدمات اللوجستية، والبنية التحتية، وهي قطاعات تشكل ركيزة أساسية لرؤية التحديث الاقتصادي.

تجربة دانانتارا تقدم نموذجًا واقعيًا لكيفية تحويل الأصول الحكومية إلى محرك للنمو الاقتصادي بدلًا من كونها عبئًا على المالية العامة. والأردن يمتلك المقومات التي تمكنه من تبني عناصر هذه التجربة بما يتناسب مع خصوصية اقتصاده وحجم موارده. الاستفادة من التجربة الإندونيسية تعزز فكرة أن الصندوق السيادي الأردني يمكن أن يصبح أداة استراتيجية فعالة لرفع كفاءة إدارة الأصول، وتحقيق التنمية المستدامة، وخلق فرص عمل، وتعزيز الابتكار الصناعي والرقمي، وتحويل رؤية التحديث الاقتصادي إلى إنجازات ملموسة على المدى الطويل.

 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية