اية خالد صالح تكتب: زهران ممداني.. فوزٌ انتخابي يربك إسرائيل ويكشف تحوّلاً في المزاج الأميركي
اية خالد صالح
لم يكن فوز زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك حدثاً عادياً في المشهد السياسي الأميركي. فالشاب ذو الأصول الأوغندية–الهندية، الذي يجاهر بدعمه العلني لفلسطين، انتزع أهم منصب محلي في الولايات المتحدة، في مدينة تُوصف بأنها “العاصمة غير الرسمية لإسرائيل خارج تل أبيب”.
ورغم أن حملته الانتخابية ركّزت على قضايا اقتصادية واجتماعية مثل الإيجارات المرتفعة ووسائل النقل العام، فإن مواقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كانت كافية لإشعال عاصفة من الجدل. فممداني لا يخفي وصفه لإسرائيل بأنها “نظام فصل عنصري” يمارس “إبادة جماعية في غزة”، ويعتبر أن “الضمير الأميركي لم يعد يحتمل الشراكة في هذه الجرائم”.
وجاءت ردّة الفعل في تل أبيب متوترة إلى حدّ الهستيريا. فقد وصفه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بأنه “صوت معادٍ للسامية يجب أن يُدان”، بينما دعا أفيغدور ليبرمان يهود نيويورك إلى “العودة إلى إسرائيل قبل فوات الأوان”. أما الصحف العبرية فوصفت فوزه بأنه “ضربة نفسية لإسرائيل”، في مدينة طالما كانت نموذجاً للدعم السياسي والمالي لها.
لكن خلف هذه الموجة من الغضب، يقرأ مراقبون المشهد بشكل أعمق. فممداني، برؤيته التقدمية وجرأته في نقد الاحتلال، أصبح رمزاً لتحول سياسي داخل الأجيال الأميركية الشابة، لا سيما داخل الحزب الديمقراطي، حيث تتراجع قدسية “الدعم المطلق لإسرائيل” التي حكمت السياسة الأميركية لعقود.
ويخشى صانعو القرار في إسرائيل أن يكون فوز ممداني بداية لتآكل الحصانة السياسية التي تمتعت بها في واشنطن ونيويورك على حدّ سواء. فحين يستطيع سياسي يعلن دعمه الصريح للفلسطينيين أن يفوز بأصوات واسعة – من بينها أصوات يهودية – فهذا يعني أن الخطاب الأميركي تجاه الشرق الأوسط بدأ يتبدّل فعلاً.
ورغم محاولاته طمأنة الجالية اليهودية بالتأكيد على أنه “عمدة لكل سكان نيويورك”، فإن ممداني، بالنسبة لتل أبيب، ليس مجرد سياسي جديد، بل مؤشر على نهاية مرحلة وبداية أخرى: مرحلة يُصبح فيها انتقاد إسرائيل لا يُقصي المرشح من الحياة السياسية، بل قد يصنع له شعبية جديدة.

