هدوء متعمد وسلاح سري.. كيف تجهز إسرائيل لضربة مباغته ضد إيران؟

{title}
أخبار الأردن -

 

-. نبيل العتوم

البرود الإسرائيلي أمام التهديدات الإيرانية ليس مجرد هدوء عابر أو تردّد؛ هو سلوك واعٍ ومخطط. هذا الصمت العلني الإسرائيلي ربما يمنح القادة والدوائر الأمنية وقتاً للعمل خلف الكواليس: جمع الاستخبارات، بناء القدرات، وتجهيز مخزون من الأسلحة الدقيقة. من هنا يصبح الصمت وسيلة لإخفاء الاستعدادات، لا دليلاً على الضعف على مايبدو امام الاستعداد الايراني عبر الاعلان عن مدن الصواريخ ، والمناورات العسكرية ، والاشهار عن اسلحة جديدة، فضلا عن الجسر البحري والجوي لنقل التقنيات ووقود الصواريخ وتعزيز منظومات الدفاع الجوي من الصين وروسيا .

وازاء ذلك، تضمر إسرائيل استراتيجية عسكرية تقون على ثلاثة أعمدة مترابطة تكمل بعضها بعضاً. العمود الأول هو تراكم مخزون من الذخائر الموجّهة والقدرات الهجومية التي تسمح بضرب أهداف محصنة بدقة داخل ايران . العمود الثاني هو المنصات اللوجستية والنقل —مثل المروحيات الثقيلة والمنصّات المعدلة— التي تسهّل نقل عناصر خاصة ومعدات حساسة لمسافات بعيدة وتنفيذ عمليات معقّدة. العمود الثالث هو تحصين الدفاعات الداخلية عبر زيادة مخزونات الاعتراض وأنظمة الحماية لتقليل أثر أي ردّ محتمل. هذه الأعمدة تعمل معاً لتسهيل تحول سريع من برود إعلامي إلى فعل عسكري مباغت و موجّه.

والبُعد الاستخباراتي هنا هو القلب النابض للعملية، فلا يمكن فصله عن النجاح التكتيكي. جمع معلومات دقيقة عن المواقع والقيادات ونقاط الضعف مما يغيّر معنى القوة، فتُحلّل شبكات الاتصالات وتُكشف نقاط الضعف وتُزرع أدوات تعطيل داخل منظومات ايران كما جرى في السابق ولكن هذه المره بشكل نوعي ومعقد . بفضل هذه المعلومات يمكن تحويل ذلك الى ضربة نوعية مدروسة، وهنا ستحاول إسرائيل تحويل العمليات الاستخبارات إلى نتائج اكثر تأثيرا.

وعندما تتضافر القدرات العسكرية والاستخباراتية سوف تظهر الخيارات لتعطيل البنى الحيوية لايران خلال نافذة زمنية محدودة. الحديث والتسريبات عن عزم إسرائيل استخدام قنابل كهرومغناطيسية أو هجمات تهدف إلى شلّ الاتصالات وأنظمة القيادة الذي يتم تصنيفه ضمن طيف الحرب الإلكترونية والفيزائية المدروسة، سوف يؤدي الى تداعيات خطيرة أيضاً، لأن استهداف أنظمة الكهرباء والاتصالات سوف يضاعف تكلفة التعافي ويعرّض المدنيين لمخاطر إنسانية واسعة. لذا فإن مثل هذا الخيار يتطلب تقييماً دقيقاً للعواقب إلى جانب الجدوى التكتيكية مع عدم استبعاد استخدامه إسرائيلا ضد ايران .

وللتوثيق العملي لنمط «البرود الإسرائيلي ثم الضربة»، يشير مسار الأحداث السابقة وتحليلها إلى تكرار هذا السلوك في مناسبات سابقة: فقد كان هناك هدوء ظاهر قبل عملية البيجر التي استهدفت قيادات عسكرية وعناصر مهمة في فرقة الرضوان ، وبرزت عذه الاستراتيجية قبل استهداف قيادات الصف الاول العسكري والامني اثناء مواجهة حزيران وقبله اغتيال إسماعيل هنية وفخري زاده..، هذا عدا عن استهداف منشآت حيوية وحساسة داخل إيران، ومنها مواقع مرتبطة ببرامج نووية وصاروخية . واستهداف قواعد الحرس الثوري التي تعسكر قرب السدود المائية لضرب عصفورين بحجر واحد تدمير هذه القواعد وخلق ازمة مائية اخرى الى جانب ماتعانيه ايران من الجفاف والعطش ، هذا الى جانب استخدام اسلحة تساعد على تحريك زلزال أرضية خاصة ان ايران تعاني من خطر جيولوجي وتصدعات أرضية مرعبة ....هذه الأمثلة تثبت أن الانتظار والبرود العلني الإسرائيلي المتعمد قد يكون جزءاً من خطة زمنية تهدف إلى إتقان الضربة وضبط توقيتها، ما يجعل التوقيت السياسي لا يقل أهمية عن القوة العسكرية والاستخبارية المباغتة نفسها.

ومقابل التصعيد الإيراني الحالي الذي تحدثنا عنه سابقا ، يبدو أن برود إسرائيل الحالي غير مسبوق على مستوى الظهور والتصريحات الإعلامية ، لكنه من زاوية أخرى قد يخفي تهيئة لعمل مفاجئ وساحق بسلاح غير متوقع أو بحزمة متكاملة من الأسلحة. ومع ذلك، أي نجاح تكتيكي ربما لا يعني نجاحاً استراتيجياً شاملا بالضرورة، لأن الردود الإقليمية قد تشمل الزج بوكلاء إيرانيين، ضربات صاروخية، أو مواجهات شاملة عسكرية وسيبرانية تصعّد المشهد، فتختلف معايير النجاح التكتيكي عن شروط النجاح الاستراتيجي ، وكل هذا يعتمد على نوعية الضربة الإسرائيلية المباغتة ومدى قدرتها على سحق قدرات الخصم الايراني من الضربة الأولى .

ومن ناحية النافذة السياسية والدعم الدولي، يعتمد تنفيذ أي ضربة نوعية قاصمة على مستوى التعاون والتحالفات. موافقات أو تعاون من دول خارجية قد يسهل الإمدادات والاستخبارات ويزيد ثقة المخططين، بينما غياب الدعم أو ضغوط دولية قد تكبّل القرار أو تُغير شكل العملية. لذلك إدارة الغطاء السياسي والدبلوماسي جزء لا يتجزأ من نجاح أي خطوة من هذا النوع ضد إيران.

خلاصة القول أن «السلاح الإسرائيلي السري» المحتمل ليس قطعة واحدة خارقة، بل حزمة متكاملة: استخبارات دقيقة ضد اهداف نوعية ، يصاحبها اغتيال قيادات إيرانية على نطاق واسع ، ذخائر موجّهة، منصّات نقل ولوجستيات متطورة، أدوات تعطيل إلكتروني/اسلحة كهرومغناطيسية محتمل، ومنظومات دفاعية جاهزة، فرق لقوات خاصة تدير عمليات ضد أهداف منتقاه داخل الجغرافيا الإيرانية..كل هذه الادوات وغيرها يتم الاعداد لها تحت غطاء برود سياسي مدروس لإطلاق عملية مفاجئة ومدوّرة. هذا التركيب سيزيد احتمال نجاح هجوم تكتيكي مفاجئ، فإن النجاح الاستراتيجي الحقيقي مرهون بقدرة صانعي القرار على احتواء الردّ الإقليمي والدولي وإدارة عواقب خطوة قد تعيد تشكيل معادلات المنطقة برمتها.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية