الأيام المقبلة لن تخلُ من المفاجآت

{title}
أخبار الأردن -

 

قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة مؤتة الدكتور الحارث الحلالمة إنّ التجربة التاريخية في تعاطي إسرائيل مع الاتفاقيات تكشف عن نمطٍ متكرر من المراوغة والتملّص.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ما نراه اليوم من "وقف نار" مؤقت يتماهى مع استراتيجية أوسع تُركّز على كسب الزمن وإعادة التموضع الميداني لتأمين بنك أهداف جديد يمكّن تل أبيب من العودة إلى خيار القتال كلما استجدّت الذرائع.

وبين الحلالمة أن ذريعة "وجود أنفاق" أو "عدم نزع سلاح المقاومة" ستبقى دائمًا متاحة في متناول اليد لتبرير عمليات جوية متواصلة أو تصعيد محدود يقدّم نفسه على أنه ردٌّ على تهديدات أمنية، مستطردًا أن نتنياهو لاعب بارع في تفخيخ نصّ الاتفاق نفسه كي يحفظ لنفسه هامشًا سياسيًا يسمح ببقاء حالة الحرب كخيار مفتوح.

وذكر أنّ المنطق السياسي الداخلي في إسرائيل - المتمثّل في ضغط اليمين المتطرف وعمق التأثير الشعبي لقضايا الأسرى - يوازنه دعم دولي وأمريكي يعززان قدرة الحكومة على المماطلة والعودة إلى الشارع المسلح عند الحاجة، مبيّنًا أن هذا المسار يخدم هدفين متزامنين هما توظيف الحرب كأداة لاستعادة الزعامة السياسية داخليًا، بما يتيح لنتنياهو تسجيل «انتصار» رمزي قبل الانتخابات، وتحريك عجلة المشروع الاستيطاني - الجغرافي في الضفة تدريجيًا، حتى إنْ لم يكن ذلك بالتصريحات الرسمية أو بالإعلان الصريح.

ورأى الحلالمة أنّ إسرائيل تسعى في هذه المرحلة إلى "خلق واقع أمني جديد" على الأرض يبرر لاحقًا تدابير دائمة تتمثل في مناطق عازلة، وأنظمة رقابة دائمة، وهياكل أمنية محلية مُهيكلة بحيث تُقصي تدخّل السلطة الوطنية وتُقلّص مساحة الفعل الفلسطيني المستقل في القطاع.

ونوّه إلى أن الهدف بعيد المدى ليس وقفًا مؤقتًا فحسب، بقدر ما هو إنتاج قطاع غزة مفصولًا سياسيًا وأمنيًا عن الضفة، مع منظومة رقابة وقيود تمنع إعادة التوحّد الفعلي بين شطري الوطنية الفلسطينية.

ولفت الحلالمة إلى أنَّ شراء الوقت يعني إتاحة المجال أمام إعادة توزيع العناصر الميدانية والسياسية، إلا وهي إعادة تموضع القوات، تجميع قواعد استيطانية جديدة، وتأطير قانوني ودبلوماسي لاحق يُسهل ضمّ أجزاء من الضفة تدريجيًا تحت حجج أمنية أو عبر تغييرات إدارية على الأرض لا تستدعي إعلانًا رسمياً يُثير ردة فعل دولية مباشرة، ذلك أن هذا الأسلوب - العملُ على الأرض أولًا ثمّ طلب التسامح الدولي لاحقًا - عرفناه في سلوك الاحتلال مرارًا.

وحذّر من أن الأيام المقبلة "لن تخلُ من مفاجآت"؛ لأنّ عناصر الضغط الداخلي والإقليمي والدولي كلها تعمل في آنٍ معًا، فالضغوط اليمينية داخل إسرائيل، والمطالبات الشعبية باستعادة الرهائن، والدعم السياسي الخارجي لبعض أطراف الحكومة، والحسابات الانتخابية، كل ذلك قد يدفع نحو تصعيدات متقطعة تُقدّم على أنها "ردود أمنية ضرورية"، لكنها في جوهرها أجزاء من مشروع أوسع لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الفلسطينية لصالح التوسع الإسرائيلي.

واستطرد الحلالمة قائلًا إنّه على المجتمع الإقليمي والدولي التعاطي مع هذه اللحظة حاسم فإمّا أن تُوظّف هذه الوقائع لصياغة حماية حقيقية لوقف النار تتضمن آليات تحقق ملموسة لنزع السلاح وإدارة أمنية مستقلة وملزمة، أو أن يتحوّل التهدئة الحالية إلى "قسط من الزمن" يُستغل لإنتاج واقعٍ يتحوّل في النهاية إلى ترتيبٍ دائم يخدم مشاريع الضم والتطهير السياسي، مشددًا على أن الشفافية في البنود، وضمانات التنفيذ، ومراقبة المجتمع الدولي ستكون عوامل حاسمة لتمييز "الهدنة المؤقتة" عن "مرحلة تمهيدية" لاختبار العودة إلى الحرب.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية