خطاب العرش... الملك يرسم معالم مئوية واثقة
قال أستاذ علم الاجتماع السياسيّ الدكتور بدر الماضي إن خطاب العرش السامي الأخير مثّل لحظة سياسية فارقة في مسار الدولة الأردنية، إذ أعاد التأكيد على ثوابتها الوطنية في بعديها الداخلي والخارجي، ورسّخ فكرة أن الأردن دخل مرحلة جديدة من التوازن الدقيق بين أدواره السياسية والإقليمية، بما ينسجم مع رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني في الولوج إلى مئوية ثانية أكثر ثقةً ووضوحًا وتماسكًا.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الخطاب حمل في طيّاته دلالاتٍ عميقة حول متانة العلاقة بين القيادة والشعب، مشيرًا إلى أن هذه العلاقة التاريخية القائمة على الثقة والولاء المتبادل أصبحت اليوم ركيزة أساسية في إدارة الدولة.
وبيّن الماضي أن جلالته أراد التأكيد على أن الأردن يمتلك من الثقة بالنفس والقدرة المؤسسية ما يمكّنه من التكيّف والإبداع في آنٍ واحد، رغم التحديات المتسارعة التي تواجه الإقليم، مستطردًا أن الملك أعاد تثبيت الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري كأحد ثوابت الدولة الحديثة، وأن هذا المسار لم يعد شعارًا أو ترفًا سياسيًا، فهو يعد مسارًا وطنيًا استراتيجيًا لا رجعة عنه، وأن ما تضمّنه الخطاب من إشارات واضحة حول الاستمرار في عملية التحديث يشكّل ردًا مباشرًا على مروّجي الشكوك والشائعات حول نكوص الدولة عن الإصلاح، ويعكس في الوقت ذاته إصرارًا ملكيًا على بناء دولة حديثة تحظى بمكانة مرموقة في النظامين الإقليمي والدولي.
وأشار إلى أن القضية الفلسطينية شكّلت محورًا مركزيًا في الخطاب الملكي، إذ تناولها جلالة الملك من زاويتين؛ داخلية وخارجية، بوصفها قضية أردنية بامتياز قبل أن تكون إقليمية، مردفًا أن الملك عبّر بصراحة عن قلقه من السياسات المتهوّرة لحكومة اليمين الإسرائيلي المتطرّف وما تمثّله من خطر على استقرار المنطقة بأكملها، وأن الأردن سيواصل أداء دوره الإنساني والدبلوماسي دفاعًا عن الحق الفلسطيني، انطلاقًا من التزامه الأخلاقي والتاريخي بالوصاية الهاشمية على المقدسات.
ولفت الماضي إلى أن الخطاب جاء بمثابة بيان وطني شامل يعلن أن الدولة الأردنية تجاوزت مرحلة القلق والانتظار التي فرضتها اضطرابات العقد الماضي، ودخلت مرحلة جديدة من الثقة والعزم والقدرة على صناعة القرار المستقل، متابعًا أن جلالته بثّ روحًا جديدة في المشهد الوطني حين قال إن الأردن لم يعد دولةً ردّ فعل، وإنما دولة مبادرة تضع رؤاها وتتحرك بثقة نحو المستقبل.
ونوّه إلى أن خطاب العرش الأخير كان رسالة سياسية عميقة المعنى مفادها أن الأردن اليوم أكثر نضجًا ووعيًا بذاته، وأقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق معادلة القوة المتوازنة بين الاستقرار الداخلي والدور الإقليمي الفاعل، بفضل إيمان قيادته بشعبه، وإيمان الشعب بقدرته على تجاوز العواصف دون انحناء أو تراجع

