الرداد يحذر عبر "أخبار الأردن" من إعادة إنتاج الانقسام الفلسطيني بثوبٍ جديد

{title}
أخبار الأردن -

حذّر خبير الأمن الاستراتيجي الدكتور عمر الرداد من أنّ التطورات الميدانية في قطاع غزة تمثل – في جوهرها – تحولًا خطيرًا في المشهد الجيوسياسي للقطاع، يعكس توجهًا خفيًا لإعادة تشكيل خرائط السيطرة والنفوذ وفق معادلات جديدة تُعيد إنتاج الانقسام الفلسطيني بصيغ أكثر تعقيدًا ومأسسة.

وقال في تصريح خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، إنّ الخارطة الميدانية الأخيرة تكشف بوضوح عن عملية تقسيم وظيفي ممنهجة، إذ تُظهر أن غزة الغربية  – المرمّزة باللون الأبيض – باتت ضمن دائرة نفوذ حركة "حماس"، فيما خضعت غزة الشرقية  – المرمّزة باللون الأزرق – لسيطرة إسرائيلية فعلية، بما يفضي إلى صيغة شبه رسمية لاتفاق ميداني غير معلن يمنح إسرائيل حرية الحركة والولوج إلى أي نقطة داخل غزة الغربية في أي وقت تشاء، تحت ذرائع أمنية أو إنسانية مصطنعة.

وبيّن الرداد أنّ هذا النمط من إعادة توزيع الجغرافيا السياسية لا يُقرأ بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي المحيط بالقضية الفلسطينية، مؤكدًا ما يمثله من تجسيد عملي لمفهوم "التقسيم الهادئ" أو "التفتيت البطيء"، الذي يهدف إلى تفكيك وحدة القطاع على مراحل متدرجة، تبدأ بتباينات ميدانية عسكرية وتنتهي بتقسيم إداري وسياسي مستدام.

وأشار إلى أنّ هذه الخارطة الجديدة، وإن جرى تمريرها بغطاء "الترتيبات الأمنية" أو "التهدئة المؤقتة"، فإنها تُخفي في طياتها مشروعًا أعمق لتفكيك النسيج المكاني والسيادي لغزة، بحيث تُفرغ المقاومة من مضمونها الجغرافي وتُحوّل القطاع إلى كيانات وظيفية خاضعة للرقابة والسيطرة المزدوجة، تمهيدًا لاحقًا لمرحلة "التحييد السياسي الكامل" التي تضع الفلسطينيين أمام واقع منقسم لا رجعة عنه.

وتابع الرداد موضحًا أن هذا التصميم الميداني الجديد يمهد لتقسيم القطاع إلى شطرين شمالي وجنوبي في مرحلة لاحقة، وهو ما يتقاطع مع تصريحات إسرائيلية متكررة حول "الحزام الأمني" و"المناطق العازلة"، بما يعني – بحسبه – أنّ المهمة لم تكتمل بعد، وأنّ ما يجري هو مقدمة لواقع سياسي جديد يعيد تعريف حدود غزة وفاعليتها ككيان موحد.

ونوّه إلى أنّ ما يجري في غزة اليوم يعد إعادة ترتيب دقيقة لموازين القوة الإقليمية، تُستخدم فيها أدوات الجغرافيا كوسيلة ضغط استراتيجي لإخضاع الإرادة الفلسطينية وإعادة صياغة مفهوم “السيادة” في إطار مقيد ومراقب.

واختتم الرداد تصريحه بالتنبيه إلى أنّ الصمت العربي والدولي تجاه هذا التحول الصامت سيُكرّس الانقسام كأمر واقع، داعيًا النخب السياسية والفكرية العربية إلى قراءة المشهد بعمق ومسؤولية، والانخراط في مقاربة شاملة تعيد الاعتبار لوحدة الجغرافيا والسيادة الفلسطينية، قبل أن يتحول التقسيم المؤقت إلى بنية دائمة تُعيد إنتاج الهزيمة بأشكال جديدة.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية