أبو زيد لـ"أخبار الأردن": تل أبيب تبحث عن ذريعة للعودة إلى الحرب
قال الخبير العسكري نضال أبو زيد إن المشهد الأمني في قطاع غزة يمرُّ بمنعطفٍ دقيق يتسم بتقاطع عوامل ميدانية، واستخبارية، وسياسية، مُضيفًا أن ما شهده القطاع من أحداث أخيرة، على رأسها الانفجار في رفح والتغطية الجوية الإسرائيلية اللاحقة، ينبغي قراءته في ضوء محاولات تل أبيب لابتكار ذرائع تمكنها من إعادة ضبط الإيقاع على نحو يسمح لها بالتحكم في إيقاف أو استئناف العمليات وفق ما تراه مناسبًا.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هناك ما وصفه بـ"محاولة نقل النموذج اللبناني إلى غزة" أو ما بات يُتداول إعلاميًا بـ"لبننة غزة"، مبينًا أن المقصود بذلك هو إقامة آليات تمركز وإدارة أمنية شبيهة بتلك المعتمدة في جنوب لبنان، من خلال تموضع لقوات أو لميليشيات محلية مدعومة، ثم إقامة ما يشبه "الخطّ الأصفر" الذي يفصل بين مناطق النفوذ، ومن ثم اللجوء إلى عمليات انتقائية مبنية على معلومات استخبارية دقيقة لاستهداف عناصر أو خلايا بعينها.
وأشار أبو زيد إلى أن هذه المعادلة ستسمح بتقليص الحاجة إلى عملية برية واسعة تُكبد تل أبيب ثمنًا سياسيًا ودوليًا كبيرًا، مضيفًا: "من ثمّ، فإن الدافع الإسرائيلي هنا هو تحقيق تحكمٍ أمني طويل الأمد بتكاليف أقل، بينما يظل الخيار التكتيكي مفتوحًا لإعادة العنف حال توافر مبرر أو ذريعة".
ولفت إلى أن ما جرى في الساعات الأخيرة لا يمكن فهمه بمعزل عن الدور الذي حاولت تل أبيب لُصقه ببعض الميليشيات المنفلتة داخل القطاع؛ فقد إلى توظيف هذه الشبكات كغطاء سياسي وعملي لتبرير خروقات وقف إطلاق النار، موضحًا أن الطرف الإسرائيلي مارس أكثر من 57 خرقًا للنظام الهادئ المُتفق عليه؛ وهذا الرقم بحد ذاته يعكس بحثًا منه عما يبرر العودة إلى مربع المعركة.
ومن جهة مقابلة، رأى أبو زيد أن المقاومة الفلسطينية نجحت، بذكاء تكتيكي واستخباري، في استباق المخططات الميدانية الإسرائيلية؛ إذ عمدت إلى عملية تنظيف أمني مركّزة ضد التشكيلات الخارجة عن القانون خلال مهلة قصيرة نسبيًا (72 ساعة)، ما مكّنها — بحسبه — من استعادة السيطرة الميدانية وإغلاق الكثير من "الجيوب" التي كانت مهددة باستغلالها لصالح مشروع "لبننة" القطاع.
ونوّه إلى أن التفوّق الاستخباري للمقاومة اتسم بقدرة على المزج بين تكتيكات تقليدية، هي إخفاء المسارات، استخدام الغطاء الشعبي، اعتماد هياكل أفقية للتموضع، إلى جانب سبل مضادة للتعقب التكنولوجي مثل: إحاطات لوجستية، تشفير في قنوات الاتصال، إخفاء بصمات دقيقة عبر وسائل بسيطة كالبطانيات أو القفازات والنظارات، مما حدَّ من قدرة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على استهداف أهداف بعينها بدقة.
وأضاف أبو زيد أن الحرب الاستخبارية احتدمت على محورَيْن، محور تقني معتمد على نظم استطلاع وجمع بيانات متقدمة، ومحور بشري قائم على إدارة مصادر ميدانية وتقنيات HUMINT؛ وقد شهدت ميدان المواجهة تغيرًا في الأولويات الإسرائيلية من الاعتماد شبه الحصري على التقنية إلى إعادة إدماج العنصر البشري في منظومة الاستخبارات، غير أن المقاومة نجحت — بحسب أبو زيد — في تعطيل كثير من هذه المساعي عبر أساليب مضادة مبتكرة.
كما بيّن الخبير أن المقاومة لم تقتصر على البعد العسكري؛ فقد بادرت أيضًا إلى بسط عناصر إدارة وإعادة إنتاج مؤسساتية؛ وهو ما ترجمه — وفقه — الإعلان عن فتح مقارّ أمنية، توزيع مهام شرطية محلية، وتعيينات إدارية لمحافظين ونُظم إدارة محلية، ما يدلل على قدرة تنظيمية تتجاوز مجرد القتال إلى إدارة شؤون قطاعية بصورة مبدئية.
وشدد أبو زيد على أن الأردن يحتل موقعًا جيوستراتيجيًا حساسًا يُقوِّي قدرته على التحمّل لكنه يواجه "مزيج تحديات"؛ فبينما تشكل المشاكل الداخلية تحديًا يمكن معالجته عبر مؤسسات الدولة، فإن التهديدات الخارجية تتطلب قراءة استباقية، وذلك لا يلغي قدرة المملكة على الحفاظ على ما سمّاه "الأمننة" - أي تحويل المناخ الأمني إلى أمن شامل يدمج المجتمع والاقتصاد والسياسة - بفضل حكمة القيادة وتماسك الأجهزة.
واستطرد قائلًا إن المطلوب الآن، على مستوى المعالجة الإقليمية والدولية، تحكيم العقل السياسي والعمل على آليات واضحة لضمان حماية المدنيين وإيصال المساعدات، مع إبقاء عناصر الضبط المرن للدخول والانسحاب بعيدًا عن منطق المصالح القصيرة الأجل التي قد تُعيد المنطقة إلى دورات عنف جديدة.

