3 دهاة يقفون خلف خطة الهدنة... وهذا ما يخططون له
قال خبير الأمن الاستراتيجي الدكتور عمر الرداد إنَّ ما بات يُعرف بخطة ترامب ليس مشروعًا مبتكرًا بالمعنى الحصري، ذلك أنه ملَفّ مركّب يُجْمِعُ خليطًا من مقترحاتٍ وأفكارٍ راكدة ومتناوبة طُرحت منذ السابع من أكتوبر.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنّ الخطة تفصح، عند قراءة بنودها وبنيتها المؤسسية، عن مقاربةٍ ثلاثية المحور صاغها "دهاة" ذوو وظائف متمايزة، هم "ويتكوف" بوصفه المشرف الذي أدخل تعديلات استجابت لمطالب تل أبيب، و"كوشنر" الذي صاغ الركن الاقتصادي المتعلق بإعادة الإعمار وتمويله، و"توني بلير" الذي وُكِّلت إليه مهمة نسج الأبعاد السياسية والأمنية ــ بما في ذلك إيجاد قوات دولية "عربية" وآليات نزع السلاح عن الفصائل.
وبيّن الرداد أن في هذه التركيبة ما يجعل الخطة قابلة للاعتبار على قاعدة "مقايضات سياسية" تقايض وقفًا ميدانيًا لحملات إعادة ترتيب سياسي وأمني داخل القطاع، مشددًا على أن القبول النظري للخطة لا يساوي رضاها العقائدي أو نجاحها التنفيذِي؛ إذ ثمة مستويات من الغموض، والفراغ التفسيري في تفاصيل المحفوظات الأمنية والآليات الرقابية، ما يشي بخطورة التطبيق دون آليات ضمانٍ واضحة ومؤسسية.
ونوّه إلى أنّ عناصر القوة الظاهرة للخطة تتلخص في ثلاثة مكتسبات فورية تتمثل في وقف العمليات الحربية، وفتح قنوات الإغاثة الإنسانية بصورة منظمة، وتمهيد طريق لإعادة دورٍ منسَّق للسلطة الفلسطينية بوصفها "نواة شرعية" تدخل غزة، إلا أن هذه المكاسب مشروطة بآليات تنفيذ يمكن التحقق منها، ومقوّمة بآليات رقابة دولية وإقليمية مستقرة، وإلا فستبقى الوقائع عرضةً للانقلاب والتراجُع.
ولفت الرداد الانتباه إلى أن الخطة تكمن مشكلتها الكبرى في "نقطة التنفيذ" لا في صياغتها النظرية، فغياب إطار ضامن مستقل وموثوق يملك سلطة فرض العقوبات أو التعويض عند الخروقات، إلى جانب غموض مصير السلاح المنفلت داخل القطاع وآلية نزع سلاح المجموعات المسلحة، بالإضافة إلى مسألة الشرعية الفلسطينية.
وأضاف أن ثمة مخاطرة إستراتيجية ثالثة تكمن في "منطق الإملاء"، فإعطاء مساحةٍ واسعةٍ للدور الخارجي (قوات دولية عربية تحت إطاره السياسي) من دون إشراك فلسطيني فاعل وواسع في صياغة الضوابط سيؤدي إلى قطيعة شرعية داخل المجتمع الفلسطيني، وربما إلى عودة سريعة لدورات عنف متجددة.
ورأى الرداد أن حماس أمام سيناريوهات متعددة، المرجّح منها هو "القبول المشروط" لا الرفض الكلّي؛ فالحركة، التي ما تزال تحتفظ بورقة الأسرى، قد تقبل بصيغٍ تكتيكية تُراعي تفصيلات أمنية واضحة تعنيها كتنظيم (ضمانات للحياة القيادية، آليات حماية للعناصر) وليس بالضرورة مطالب قطاعية بحتة، وفي هذا الإطار نوّه إلى أن أي قبول سيكون "بـلكنّات" جوهرها الضمانات، والتحقق، والآليات الزمنية للانسحاب والتمكين.
وخلص إلى أن فرص نجاح الخطة تتقاطع مع عوامل خارجية وداخليّة، نجاحها مرتبط بمدى التزام إسرائيل بعدم العودة إلى نمط "الفسخ الأحادي" للهدنة، وبقدرة الولايات المتحدة وإلى جانِبها فواعل دولية وإقليمية على تحمّل كلفة الضمان وتقديم آليات محاسبة شفافة؛ كذلك مرتبط بقدرة المجتمع الدولي على تفعيل آليات تمويل مدروسة تُقاس مع شروط شفافية واستقلالية المستخدمين المحليين؛ وأخيرًا مرتبط بمدى جدّية الأطراف العربية في تَبنِّي دورٍ فعليٍّ لا شكليٍّ في قوات الضمان أو في آليات الدعم المالي والسياسي.
وقدّم الرداد توصيات عملية تقتضيها المرحلة، تتمثل في ضرورة تبنّي "خارطة طريق مرحلية" واضحة تُحدّد محطات قابلة للقياس (وقف دائم مُتحقق، فتح الممرات الإغاثية، إحالة ملف الأسرى إلى آلية تحقق دولية، تمكين السلطة بصورة مؤسسية)، مرورًا بتأسيس آليات رقابة دولية وإقليمية ذات صلاحيات تنفيذية وشفافة، ووصولًا إلى صياغة اتفاق تمويل متعدد الأطراف ملزمًا يضمن إعادة الإعمار عبر صندوق مستقل يدار بشراكة فلسطينية وعربية ودولية، ورابعًا، احتواء أفقٍ سياسي يتكامل مع البناء الأمني بحيث لا يترك فراغًا بين إخراج القوة وبدء إعادة الإعمار.

