21 بندا نحو المجهول.. قراءة في خفايا الصفقة الأميركية
قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات إنّ ما تسرّب حتى الآن من تفاصيل مقترح الخطة التي يروّج لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب يحمل طابعا شموليا، إذ يقدّم مقاربة من 21 بندا تهدف — وفق المسوغات المعلنة — إلى بلورة "صفقة" تتجاوز مجرد إيقاف إطلاق النار في غزة إلى محاولة إعادة ترتيب وضعية السلام في أرجاء الشرق الأوسط.
وأوضح الحوارات في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنّ المقترح خضعت له تعديلات عربية، ومن المتوقع أن تكون تعديلات إضافية محل بحث في لقاء ترامب المرتقب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما يجعل من هذا اللقاء لحظة مفصلية في مسار المبادرة.
وبيّن الحوارات أن المضمون العام للخطة يتوزع حول ثلاثة محاور كبرى هي الإفراج عن جميع الأسرى، (القضاء ـ كما صيغ في النصوص المتداولة ـ على "التهديد" الذي تمثّله حركة حماس) عبر آليات عسكرية وسياسية، وإعادة إعمار قطاع غزة عبر لجنة دولية تقود عملية الإعمار وتُشرف عليها قوة عربية ودولية، بالإضافة إلى توسيع المساعدات.
وذكر أنّ البنود تتضمن ضمانات واضحة تمنع ضمّ الضفة الغربية، وهو بندٌ حاول القائمون على المبادرة إبرازَه كأحد مكاسبها السياسية.
واستطرد الحوارات قائلا إن دوافع ترامب وراء الدفع بهذه الورقة تحمل أبعادا مزدوجة؛ تتمثل في دوافع شخصية تتقاطع مع دوافع استراتيجية أميركية، فبالإضافة إلى رغبة شخصية في تسجيل إنجاز دبلوماسي ـ كما لو أنّه يسعى لجائزة سياسية دولية ـ ثمة هدف أميركي واضح لإعادة المركزية للدور الأميركي في عملية التسوية بعد سنوات شهدت تراجعا أو تهميشا لهذا الدور بسبب الانحياز المطلق لإسرائيل.
وأشار إلى أن خطّة ترامب تسعى إلى وضع واشنطن في قلب الإطار التفاوضي "متكافئة الضغوط" على الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء؛ لكنّ هذا الطرح، سيعيد طرح شكليات ومشروعية الدور الأميركي لدى أطراف القضية، لا سيما أن اعتماد القوة الإسرائيلية المتساهل تحت "الغطاء الأميركي" سابقا قد أضعف منحي الحياد في إدراك الكثيرين لدور الولايات المتحدة.
ولفت الحوارات الانتباه إلى أنّ القبول الإسرائيلي بالمبادرة ليس مفروغا منه، وأن تل أبيب ستُدخل اقتراحاتٍ وتعديلاتٍ جزئية على بنود الصلاحيات والضمانات والقيود المفروضة على الحركة وامتداداتها، موضحا أن المفاوضات الإسرائيلية ستكون تقنية ومفصّلة إلى حد استنزاف البند تلو الآخر للحصول على أقصى مزايا أمنية وسيادية ممكنة.
وأضاف أن الحشد العربي الإعلامي لبعض ردود الفعل الإيجابية خلال الأيام الماضية يبدو في مضمونه خطوة "جس نبض"، إلاّ أن موافقة عربية كلية ومشتركة تتطلب تضمينات عملية ومشاركة فعلية في صياغة البنود وبآليات الرقابة والتمويل، وإلّا فثمة مخاطر أن تُحوَّل المبادرة إلى مساحة لتهميش المطالب الفلسطينية الأساسية.
وذكر الحوارات أنّ مواقف الفصائل الفلسطينية ستكون حاسمة، فـ(حماس، على الأرجح، سترفض أي صيغة تُنَال من زعامتها أو تُقوّض سيادتها في القطاع، في حين ستقاوم السلطة الفلسطينية أن تتحوّل إلى مجرد "واجهة" دون صلاحيات حقيقية)، ما يعني أن شرعية أي خطة تُنقص من الحقوق الفلسطينية الرسمية والشعبية ستواجه رفضا واسعا، ويخشى أن يُسجّل الرفض الرسمي والشعبي كحكمٍ مسبق على جدوى المبادرة.
وأردف أن جوانب التمويل والشفافية في إدارة إعادة الإعمار تشكلان نقاط ضعف فادحة؛ إذ تُقدَّر الاحتياجات بمبالغ ضخمة تتراوح في سيناريوهات مختلفة بين عشرات ومئات المليارات، ما يفتح الباب أمام شُكوكٍ عميقة حول التزامات المانحين وفاعلية آليات الرقابة ومنع مسارات الفساد أو التهجير القسري الذي قد يعبّر عن محاولة لتغيير ديموغرافي، وهو ما يشكّل خرقا لقواعد القانون الدولي ويُضعِف مقبولية الخطة.
وأشار إلى أن نتنياهو يحتفظ بقدرة مؤثرة على تشويش أو إعادة توجيه مسار المبادرة، وأن احتمالا واقعيا قائمٌ لقيام تل أبيب بمحاولات مماطلة أو اقتراح بدائل تُهيئ مزيدا من الشروط الأمنية والتنازلات السياسية، مردفا أنّه ما لم تُحيط الخطة بإطارٍ سياسي متوازن وبدعمٍ عربي فاعل وبدور رقابي دولي يُضْمن حقوق الفلسطينيين، فإنها قد تسفر عن اتفاق شكلي أو مؤقّت، أو قد تُفضي إلى انزلاق غزة مجدّدا نحو التصعيد.
وأشار الحوارلات إلى أن ما سيخرج عن جلسة ترامب مع نتنياهو سيحدّد ملامح المرحلة المقبلة، لافتة إلى أن تأثيرات اللقاء قد تُفضي إلى تعزيز مردود المبادرة أو إلى تشظّيها تحت ثقل المصالح المتضاربة، وأن كل النتائج المحتملة ستتوقف على تفاصيل البنود، ضمانات التمويل، وشكل الضغوط والضمانات الدولية والعربية المرتبطة بتنفيذ أي تفاهم مستقبلي.

