أحداث أمنية كبيرة وحاسمة في المنطقة
قال الخبير العسكري محمد المغاربة إنّ السياق السياسي والوظائفي المحيط برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يُنتج دافعًا مركّبًا قد يدفعه إلى الإمعان في استثمار «أحداث أمنية كبيرة» — سواء داخل الكيان أو خارج حدوده — بغرض إعادة تأسيس شرعيته الداخلية وتعويض الخسائر السياسية التي تعصف بموقفه.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا الاحتمال ينبع من تحليل تراكمات موضوعية؛ أولها ضغوط داخلية حادة تضع قيادة الائتلاف في حالة هشاشة، وثانيها سحب جزء من الزخم الدولي عن سردية "التهديد الوجودي" التي أعطت تل أبيب هامشًا سياسيًا لسنوات، وثالثها التحولات الإقليمية والدولية التي اعادت رسم أولويات القوى الكبرى، بما يقلص هوامش التحرك الإسرائيلية التقليدية.
وبيّن المغاربة أنّ آلية الاستفادة من حدث أمني كبير لدى أنظمة تعاني الأزمة لا تقتصر على التخطيط المسبق من جهات حكومية أو استخباراتية فحسب، وإنما تتجاوز ذلك لتشمل استثمار وقائع آنية أو استغلال أعمال جهات فاعلة غير حكومية أو أخطاء استخباراتية لصياغة سرد يسمح بتوجيه الرأي العام وتحويل نقاش السياسات من إخفاقات إلى حالة طوارئ.
واستطرد قائلًا إن هذا المسار يرتكز على ثلاثة مرتكزات معرفية: أولها القدرة على تأطير الحدث بصيغة "خطر وشيك" يبرر إجراءات استثنائية، وثانيها التشغيل الرمزي لخطاب المظلومية والأمنية الذي لا يزال يحظى ببعض المصداقية شعبياً ودولياً، وثالثها ربط الفعل الأمني بمبررات دبلوماسية تُحسن موقف القائد أمام شركائه، خصوصاً أثناء زيارته لواشنطن أو تواجده في عواصم مؤثرة.
ونوّه المغاربة إلى أنّ نتنياهو يُواجه معضلة مركبة فهو من جهة يواجه استنزافًا سياسيًا مرتبطًا بنتائج ميدانية وإستراتيجية، ومن جهة ثانية يواجه تقلص مقاييس الدعم الدولي المباشر لخطواته، ما يجعله مرشحًا للبحث عن "حدث معادل" يعيد له القدرة على المبادرة.
وذكر أنّ طبيعة هذا "الحدث" قد تتباين بين هجوم داخل حدود الكيان، أو عملية استهداف خارجية تصلح لتصنيفها بعض العواصم الغربية كعمل ارهابي، أو حتى عملية لا مصدر حكوميًا واضحًا تُستغل سياسيًا، وهو ما يجعل من تقييم نية الفاعل أمراً بالغ الحساسية ويستدعي حذر التحليل الاستخباري الإعلامي.
وقال المغاربة إنّ تبعات مثل هذا السيناريو تتجاوز حدود السياسة الداخلية لتلامس محاور إقليمية حساسة، إذ إنّ أي حدث يتم توظيفه سياسياً قد يُستخدم ذريعة لتوسيع عمليات عسكرية أو تشديد إجراءات أمنية تقوض فرص حل سياسي، وقد ينعكس سلبًا على استقرار الجوار، لا سيما في الضفة وغزة وساحات ملامسة للأردن، ولبنان، وسورية.
وعلى صعيد التكتيكات، لفت الانتباه إلى أنّ أدوات الاستغلال السياسي للأحداث الأمنية تتسم بالمرونة، فهي قد تتضمّن تضخيم معلومات استخباراتية جزئية، أو تسريع الإعلان عن نتائج تحقيقات غير مكتملة، أو استثمار خلايا غير حكومية كـ"بيدقٍ عملي" لخلق حدث يمكن استخدامه سياسيًا، وهو ما يتطلب من الفاعلين الإقليميين والدوليين توخي الحذر في تلقي الروايات الأحادية والسعي لآليات تحقق مشتركة وشفافة.
وأشار إلى أن الردّ المقتصد يجب أن يتعدد أفقيًا وعموديًا: أفقيًا عبر تعزيز التنسيق الاستخباري بين دول الجوار والشركاء، وعموديًا عبر خطاب دولي واضح يميّز بين الحدث والحملات السياسية التي تحاول توظيفه، مضيفًا أنّ على الفضاء الإعلامي والمجتمع المدني والمؤسسات الدولية أن يلعبوا دورًا في رفض التطويع السياسي للأحداث الأمنية، لأن الفراغ الخطابي يسهّل احتكار السرد لدى من يسعى لتضخيم النتيجة السياسية لوقوعها.
واختتم املغاربة حديثه بقوله إنّ المنطقة أمام اختبارٍ مزدوج، اختبار قدرة الأنظمة والمجتمعات على عدم الانجرار وراء سردية "الأمن المَرْضي" التي تُستخدم أحيانًا لتغطية إخفاقات سياسية، واختبار قدرة القنوات الدولية والإقليمية على فرض معايير تحقق وشفافية تمنع تحويل أي حدث أمني إلى رافعة لسياسات توسعية.

