هذا ما تخبئه موجة الاعترافات بفلسطين

{title}
أخبار الأردن -

 

قال أستاذ العلاقات الدولية في واشنطن، الدكتور عصام صيام، إنه لم يعد خافيًا على المتابع أنّ الموجة الأخيرة من الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية – من بريطانيا وفرنسا وكندا وسواها – تُقدَّم للرأي العام العالمي وكأنها صحوة متأخرة لضمير الغرب تجاه معاناة الشعب الفلسطيني.

وأوضح صيام في تصريحٍ خاص لصحيفة "اخبار الأردن" الإلكترونية أنّ التمعّن في طبيعة هذه الاعترافات، وخلفياتها السياسية، والسياقات التاريخية التي تتكئ عليها، يكشف بما لا يدع مجالًا للشك أنّ الأمر يتجاوز الإطار الأخلاقي المعلن ليقترب أكثر من كونه إعادة إنتاج مُحكمة لسياسات الالتفاف والمراوغة التي اعتادتها المنظومة الغربية في التعاطي مع القضية الفلسطينية منذ بداياتها.

فبريطانيا – على سبيل المثال – التي شكّلت وعد بلفور ومنظومة الانتداب حجر الأساس للنكبة الفلسطينية، لم تُقدِم على هذه الخطوة إلّا في لحظة مأزق داخلي، تحاول عبرها امتصاص غضب الشارع البريطاني من انخراط حكومته في حرب الإبادة التي تُشنّ على غزة، سواء عبر الغطاء السياسي أو الإسناد الاستخباري واللوجستي لإسرائيل، وفقًا لما صرّح به صيام، مستطردًا، أن إعلان رئيس الوزراء كير ستارمر جاء باهتًا، خاليًا من أيّ خطوات إجرائية محددة تحدّد جغرافيا الدولة الفلسطينية الموعودة، أو تضع إطارًا زمنيًا لإنفاذ الاعتراف على أرض الواقع، ما يجعله أقرب إلى بيان علاقات عامة منه إلى تحول سياسي استراتيجي.

ونوّه إلى أن الأخطر من ذلك، هو أن مجمل هذه الاعترافات لم تتطرّق إلى لبّ المعضلة، أي الاستيطان المتسارع في الضفة الغربية، والذي أجهز فعليًا على ما تبقّى من حلم الدولة الفلسطينية، إذ إنّ الصمت الأوروبي المطبق إزاء حرب الإبادة الجماعية في غزة، واستمرار سياسات الاحتلال في التهجير والقتل والتدمير، يفرغ هذه الاعترافات من مضمونها، ويحوّلها إلى مجرد غطاء أخلاقي زائف يعيد إنتاج شرعية زائفة لإسرائيل في الوقت الذي يُفترض فيه محاسبتها.

وأشار صيام إلى أن أوروبا – باستثناء الولايات المتحدة التي ما تزال تتمسّك برفض الاعتراف – تلجأ إلى هذه الخطوة التكتيكية لغايات متصلة بتخفيف الضغوط الشعبية الداخلية، والحفاظ على صورتها الدولية، أكثر من ارتباطها برؤية حقيقية لإنهاء الصراع أو إنصاف الفلسطينيين. إنها، باختصار، آلية لتبريد الغضب وتسكين الوعي العام، لا أكثر.

أما في السياق العربي، فإنّ المعضلة أعمق وأقسى، إذ لا معنى للاحتفاء بهذه الاعترافات ما دمنا عاجزين عن إدخال شحنة دواء واحدة إلى غزة، أو عن وقف نزيف الدم الفلسطيني المتواصل، فكيف يمكن لشعوبنا أن تحتفل باعترافات رمزية في الوقت الذي تُذبح فيه غزة من الوريد إلى الوريد، ويقف النظام العربي عاجزًا أمام جريمة مكتملة الأركان؟... إنّ التعامل العربي مع هذه الاعترافات بوصفها "نصرًا سياسيًا" ليس سوى مشاركة ضمنية في خداع الذات، وإضافة طبقة أخرى من الغشاوة على وعي شعوب أنهكتها الوعود الكاذبة، كما جاء على لسان صيّام في حديثه لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وأشار إلى أنه ووفق القانون الدولي، لا تُعتبر الدولة قائمة ما لم تتوافر لها العناصر الأربعة: أرض محددة، شعب مقيم، سلطة سياسية، وسيادة فعلية، وبغياب هذه العناصر، خصوصًا مع تفتت الجغرافيا الفلسطينية بفعل الاستيطان والحصار، تصبح الاعترافات الغربية أقرب إلى وهم سياسي يدار بخطاب دبلوماسي منمّق، مضيفًا أنّها، في جوهرها، أداة من أدوات إدامة الصراع، لا حله، ومحاولة لإعادة ضبط المشهد وفق توازنات تسمح باستمرار الهيمنة الإسرائيلية وبتأجيل أي انفجار شعبي أكبر.

وأردف صيام متسائلًا حول ما إذا كنا أمام صحوة ضمير حقيقية متأخرة، أم أمام خدعة سياسية جديدة تتقنها القوى الغربية لإدارة الأزمة لا لحلّها؟... متابعًا أن المؤشرات كلّها ترجّح الخيار الثاني، خصوصًا وأنّ أوروبا ما زالت عاجزة عن تسمية الأشياء بأسمائها: احتلال هو احتلال، وإبادة هي إبادة، وتواطؤ تاريخي ممتد منذ سايكس ـ بيكو وحتى يومنا هذا.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية