تشكيل قوة عربية يستفز إسرائيل
قال الباحث في مركز "تقدم للسياسات" – لندن، أمير مخول إن إسرائيل تشهد تحولات متسارعة تمسّ بنيتها المؤسسية العميقة، وسط تحذيرات من احتمالية إلغاء انتخابات الكنيست المقبلة، إذا ما شعر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن نتائجها لن تصبّ في صالحه.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن نتنياهو بات يمتلك، عبر "الانقلاب القضائي" وتحت غطاء أنظمة الطوارئ التي أُقرّت خلال الحرب، الأدوات الكاملة لتطويع مؤسسات الدولة وتحويلها من منظومات خاضعة للقانون إلى أجهزة تابعة لشخصه، قادرة على تنفيذ أي قرار يتخذه، حتى لو وصل الأمر إلى تعطيل الانتخابات أو إلغائها.
وبيّن مخول أن هذا المسار يتجلى في سلسلة تغييرات جوهرية داخل أجهزة الدولة، فقد تخلّص نتنياهو من شخصيات بارزة مثل يوآف غالنت، وهرتسي هليفي، وعدد من قادة الجيش، وصولًا إلى رئيس جهاز الشاباك رونين بار، الذي استُبدل بداڤيد زيني، المحسوب على تيار الصهيونية الدينية، ورغم التحفظات القانونية على تعيينه، أُقرّ التعيين بضغط مباشر من نتنياهو، ما عكس قدرة الأخير على فرض خياراته حتى على المحكمة العليا نفسها.
ورأى مخول، أن عقيدة زيني تُثير القلق بشأن كيفية توظيف جهاز بحجم الشاباك في خدمة مشروع أيديولوجي، خصوصًا أن الجهاز يمتلك سلطات واسعة تمتد من الأمن الداخلي إلى الملفات السياسية الحساسة.
بالتوازي، عمّقت حكومة نتنياهو منذ مطلع 2023 مشروع "الانقلاب القضائي" الذي أفرغ المحكمة العليا من توازنها التقليدي، وأعاد تشكيل الجهاز القضائي بما يتماهى مع توجهات اليمين الديني، وتحت ذريعة "مكافحة الإرهاب"، سُنّت عشرات القوانين والتعديلات التي ضيّقت على الحريات السياسية، ورفعت سقف العقوبات، وأتاحت شطب قوائم أو مرشحين كاملين من الكنيست بذريعة أمنية.
هذه التغييرات انعكست أيضًا على جهاز الشرطة الذي تحوّل، وفق توصيفات إسرائيلية، إلى "شرطة بن غفير"، تعمل بمنطق ميليشياوي قمعي، بصلاحيات شبه مطلقة لضباطها.
ونوّه مخول إلى أن الخطوة الأخطر قد تطال الأحزاب العربية في الداخل، حيث يملك نتنياهو السيطرة على لجنة الانتخابات المركزية، بما يتيح له التأثير على تشكيل لجان الاقتراع في المدن العربية، أو حتى نشر كاميرات مراقبة داخل الصناديق، بما يثني الناخبين عن المشاركة، كما يمكن للجنة، بذريعة مناوشات أمنية مفتعلة، أن تُلغي نتائج التصويت في صناديق كاملة، ما يعني شطب عشرات آلاف الأصوات.
وبموازاة ذلك، تبثّ القناة 14 الموالية لنتنياهو خطابًا تعبويًا يستهدف شيطنة أي احتمال لتشكيل قائمة عربية موحدة، باعتبارها تهديدًا وجوديًا لمعسكر اليمين، الأمر الذي يُشرعن مسبقًا أي قرار لاحق بشطب هذه القوائم أو إقصائها.
لا تتوقف التحولات عند المؤسسات المدنية والقضائية، فهي تمتد إلى المؤسسة العسكرية نفسها، وتكشف عن صعود تيار ديني - يميني متشدد داخل الجيش، يتبنى عقيدة بن غفير الأكثر تطرفًا، ويحمل معه إلى الداخل الإسرائيلي "روح الإبادة" التي مورست في غزة.
واستطرد مخول قائلًا إن نتنياهو يكرّس مسارًا واضحًا يتمثل في بناء منظومة قانونية وأمنية تضمن بقاءه في الحكم، حتى لو اقتضى الأمر إلغاء الانتخابات أو إعادة صياغتها بالكامل، فالأدوات باتت متوفرة: مستشار قضائي موالٍ، رئيس شاباك عقائدي، حالة طوارئ مستمرة، ومحكمة عليا مقيدة.

