الرد العربي الموحد لن يحدث لهذه الأسباب
قال الأستاذ المشارك والباحث المتخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية الدكتور علي النظامي، إن قراءة بنية العلاقة بين الدول العربية والحلف الأميركي في ميدان المعدات العسكرية والتكنولوجيات القتالية تكشف عن واقعٍ قانونيّ، واستراتيجيّ، وتكنولوجيّ يجمع بين الاعتماد والهيمنة، مضيفًا أن هذه المعادلة تجعل أي خيار سيادي عربي في المجال الأمني مقيدًا بمحددات خارجية لا يستهان بها.
وأوضح النظامي في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الاعتماد اندماج عميق في شبكة لوجستية، وصناعية، وبرمجية: منظومات القتال الحديثة - من مقاتلات متقدمة إلى أنظمة رادار واتصالات وتوجيه ذكي - تتكوّن من مكونات مادية وبرمجيات متداخلة تُسيطر عليها قواعد تصنيع وصيانة وإمداد تقع بشكلٍ رئيسي داخل الولايات المتحدة، ومن ثم، يترتّب على هذا الواقع أن قدرة أي منظومة على العمل الكامل ولفترات مديدة مرهونة بوصلاتها الإدارية واللوجستية مع مُزَوِّدها الأصلي، ما يُحدِّ من هامش المناورة الاستراتيجي للدول المالكة لتلك المنظومات.
وبيّن النظامي أنّ أبعاد هذه الهيمنة تتعدى الجانب الفني لتطال الفصل الأخير في سلسلة القرار، فوجود شيفرات تشغيل، وآليات تحديث، ومخازن قطع غيار مركزية يعني سيطرة فعلية على جاهزية القدرات، وإذا ما توافرت الإرادة السياسية لدى المورد المسيطر على هذه الشبكة - لأي سببٍ كان - فإن تعطيل قدرة منظومة أو إضعافها عبر إجراءات لوجستية أو تقنية يصبح أمرًا ممكنًا من حيث المبدأ، وليس مجرد نظريّة.
وأشار إلى أن ذلك يفسر حدّة التردد أو التريّث الذي يطبع مواقف الفاعلين العرب حين يُطلب منهم الانخراط في مسارات تتصادم مع مصالح واشنطن أو أمن إسرائيل، لأن التكلفة التقنية والسياسية والاقتصادية لتحرّك عسكري مستقل قد تكون عالية ومباشرة، إن لم تكن كارثية، ومن ثم، فإن امتلاك ترسانة أميركية الصُنع يقابله التزام عملي تجاه منظومة الإنتاج والدعم التي تُسيطر عليها الولايات المتحدة.
في المقابل، نبه النظامي إلى أن الخريطة السياسية الدولية تُظهر تباينات بين التصريحات العلنية وما يُدار خلف الكواليس، فالمواقف الدبلوماسية في العلن قد تحمل إدانة أو تحفظًا شكليًا، بينما تتولى اتصالات سرية ضبط المسارات بحيث تُترجم المصلحة الذاتية أولًا، في ظل حالة من "الاحتياط السياسي" لدى دولٍ لا تريد أن تُجرّ إلى صدام مباشر مع واشنطن أو مع تل أبيب.
واستطرد قائلًا إن هذا الانقسام بين العلنية والسرِّيَّة يشكّل قاعدة عمل في السياسة الإقليمية الحالية، فما يُقال في المنابر قد يخفي تفاهماتٍ متبادلةً أو حدودًا غير معلنة للتصعيد.
ونوّه النظامي إلى أن العوامل الداخلية الإسرائيلية ــ مردها أيديولوجي وسياسي ــ تلعب دورًا في مكابح أو دوافع التوسع؛ فوجود طبقة سياسية ضاغطة تميل إلى السياسات الحاسمة يزيد من احتمالات التحرك العسكري أو السياسي الذي يفتقد آليات التهدئة الإقليمية، ومن هنا تنبثق خطورة كل خطوة أحادية من تل أبيب، لأنّها قد تفضي إلى تسارع سلسلة ردود فعل تتبدّى على المستويات الشعبية والدولية.
واستعرض سيناريوهين تكتيكيين متداخلين، أولهما محاولة إسرائيلية لاستثمار نافذة زمنية دولية - تتضمن غطاءً أو تناسيًا دوليًا - لتمرير تغيّرات ميدانية أو قانونية؛ وثانيهما اعتماد إسرائيل على استمرارية الدعم التكنولوجي السياسي الدولي لتأمين قدرتها على الحسم، وفي حال شُكِّلت تلك الثوابت فقد تسعى إلى خطوات أسرع وأشدّ حدة، وفي كلتا الحالتين، خلّف التحذير بأن "الأشهر المقبلة قد تكون حاسمة"، إذ إن تراكم العوامل الداخلية والإقليمية والدولية يسهِم في اشتداد وتيرة الأحداث.
واختتم النظامي حديثه بتوجيه توصيات، منها: ينبغي للدول العربية أن تقرأ المسار بواقعية، وأن تعمل على خفض نقاط الضعف عبر تنويع مصادر التسليح والتقنيات، والاستثمار في الصناعات المحلية أو الإقليمية ذات القيمة المضافة، وتعزيز شبكات الدعم اللوجستي الذاتية؛ إضافة إلى تعزيز الدبلوماسية متعددة الأطراف لبناء غطاء سياسي أوسع؛ وأخيرًا، الانتقال تدريجيًا نحو مقاربات اقتصادية واستراتيجية تقلّل حساسية القرار الوطني من اختلالات سلاسل الإمداد الخارجية.

