برك تتبخر وسياسات عاجزة... الأردن يفقد رئته المائية بصمت

{title}
أخبار الأردن -

 

قال رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر الشوشان إن الأردن يواجه في اللحظة الراهنة تحديًا بالغ الخطورة، يتمثل في التغيرات المناخية غير المسبوقة التي ضربت المنطقة وما رافقها من انحسار مقلق في معدلات الهطول المطري، وهو ما جعل قضية المناطق الرطبة، والسدود، والمسطحات المائية تتجاوز حدودها الطبيعية والبيئية لتتحول إلى قضية أمن قومي تمس جوهر الاستقرار المجتمعي والسيادة الاقتصادية للدولة.

وأوضح الشوشان في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه النظم البيئية تعد بنية استراتيجية مكتملة الوظائف، تشتغل على أكثر من مستوى في آن واحد، فهي من ناحية أولى تمثل مخازن حقيقية للتنوع الحيوي بما تحويه من كائنات نادرة وأنواع مائية وبرية تشكل شبكة أمان بيئية متكاملة، وهي من ناحية ثانية تقدم خدمات حيوية لا تُقدَّر بثمن، تبدأ من إعادة تغذية المخزون الجوفي للمياه العذبة، مرورًا بتنظيم الفيضانات والسيطرة على جريان السيول، وصولًا إلى تثبيت التربة والحد من ظاهرة التصحر التي تُعد واحدة من أخطر التحديات في المنطقة العربية.

وبيّن شوشان أن لهذه النظم بعدًا آخر يتجاوز البيئة ليصل إلى الاقتصاد الوطني مباشرة، إذ إن كلف معالجة المياه تنخفض بشكل ملموس بفضل قدرة المناطق الرطبة على تنقية المياه بصورة طبيعية، كما أن الزراعة تستفيد منها بتوفير موارد ري إضافية، ما ينعكس مباشرة على الأمن الغذائي ويحد من فاتورة الاستيراد، وفي الوقت ذاته، تتيح هذه البيئات فرصًا فريدة للاستثمار في السياحة البيئية، حيث تمثل محطة رئيسة للطيور المهاجرة وتحتضن نباتات نادرة، الأمر الذي يمكن أن يشكل قاعدة اقتصادية بديلة أو موازية في ظل محدودية الموارد التقليدية.

ونوّه إلى أن الواقع العملي يكشف عن مفارقة بين ما تمثله هذه النظم من قيمة استراتيجية وما تحظى به من متابعة رسمية ومؤسسية محدودة، ففي غياب برنامج وطني شامل وفعّال للرصد البيئي، ظلت هذه النظم مكشوفة أمام تقلبات المناخ واستنزاف الموارد، مسشتهدًا بما حدث في بركة العرايس في شمال المملكة، والتي جفت بشكل كامل في مشهد مثّل جرس إنذار مبكر على هشاشة هذه المنظومات.

"صحيح أن سلطة وادي الأردن سارعت استجابة لمطالبات الناشطين البيئيين إلى إعادة ضخ المياه في البركة لإنقاذ الموقف، لكن غياب خطة طويلة المدى يجعلها عرضة للجفاف مرة أخرى في أي لحظة، وهو ما يفضح القصور في مقاربة الدولة لإدارة هذا الملف"، وفقًا لما صرّح به شوشان لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وأشار إلى أن ثمة إمكانات بديلة لم تُستثمر بعد، ومنها التوسع في بناء السدود الترابية التي يمكن أن تؤدي وظائف مزدوجة، فهي من جهة توفر كميات إضافية من المياه المخصصة للزراعة وللاستخدامات المحلية، ومن جهة ثانية يمكن إدارتها بطريقة تحولها إلى بيئات رطبة مصغّرة تجذب الطيور والحياة البرية وتضيف قيمة بيئية وسياحية جديدة، وبذلك تتحول من مجرد منشآت مائية إلى أصول استراتيجية قادرة على تعظيم العائد الاقتصادي والبيئي في آن واحد.

ولفت شوشان إلى أن التحديات التي تواجه المناطق الرطبة متشابكة مع أبعاد إقليمية ودولية، إذ إن الأردن يُعد من أكثر دول العالم فقرًا مائيًا، ومع استمرار التغير المناخي فإن كل قطرة ماء تتحول إلى معطى وجودي، وبالتالي، فإن تجاهل هذه النظم أو إدارتها بوسائل تقليدية يعني عمليًا تحميل الأجيال المقبلة أعباءً لا يمكن احتمالها.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن حماية المناطق الرطبة ضرورة استراتيجية ترتبط مباشرة بالأمن المائي والغذائي، وبقدرة الأردن على الحفاظ على توازنه الاجتماعي والاقتصادي، مستطردًا أن المطلوب اليوم رؤية وطنية متكاملة تُبنى على أساس علمي ورصد دوري ومشاركة فاعلة من جميع الأطراف، الوزارات المعنية، الجامعات ومراكز البحث، منظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، وأنها يجب أن تُترجم إلى برامج واقعية طويلة المدى تحول هذه النظم الطبيعية من بؤر هشاشة إلى مخازن قوة استراتيجية تحمي الأردن وتدعم مكانته كوجهة للسياحة البيئية، وتؤمن لأبنائه موردًا حيويًا متجددًا للأجيال القادمة.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية