جدلية إلزامية رفع العلم أمام العقارات... بين رمزية الوطنية ومأزق العفوية
قال الكاتب جواد عباسي إنّ القرار الحكومي القاضي بإلزام العقارات في الأردن بتركيب ساريات لرفع العلم الوطني على مدار العام، يستبطن أسئلة جوهرية تتعلق بعلاقة المواطن برموزه الجامعة وحدود التعبير عن الانتماء.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أنّ رفع العلم بشكل دائم على مدار 365 يومًا قد يُنتج مفارقة معاكسة لجوهر الرمز، إذ يُفقد المشهد ذلك البعد الاستثنائي الذي كان يكتسبه الأردنيون في لحظات وطنية فارقة؛ كالأعياد الرسمية أو الإنجازات الرياضية الكبرى، فالرمز يستمد قوته من الارتباط بالوجدان الجمعي واللحظة التاريخية، لا من الاستنساخ الذي يجرّده من معناه.
وبيّن عباسي أنّ تحويل العلم إلى التزام إداري يشبه أي إجراء بلدي تنظيمي قد يفرغ طقس رفعه من العفوية التي تمنحه صدقية وجدانية، مشيرًا إلى أنّ الوطنية لا تُختزل في ممارسات إلزامية، وإنما تُجسّد في انتماء داخلي حقيقي، يتجلى في السلوك اليومي والمسؤولية المشتركة، لا في امتثال شكلي للأنظمة.
ونوّه إلى مفارقة أخرى تكمن في الدور الميداني للفرق الرقابية التي ستتابع التزام العقارات بالقرار، متسائلًا عمّا إذا كان الأولى أن يُعاد توجيه جهدها نحو قضايا أكثر إلحاحًا وملامسةً للحياة العامة، مثل مراقبة سلامة شبكات تصريف مياه الأمطار، ومنع مخالفتها للبنية التحتية، أو توجيهها لاستخدامات أكثر استدامة كري المزروعات.
وفي ختام حديثه، شدّد عباسي على أنّ معيار الوطنية يقاس بمدى رسوخ قيم المواطنة العملية، وبقدرة الدولة والمجتمع معًا على حماية الرموز من التفريغ البيروقراطي، والحفاظ على عفويتها الأصيلة التي تمنحها معناها المتجذر في الذاكرة الوطنية.

