تقرير صادم عن أبشع وجوه التطهير العرقي في غزة
قال الباحث في مركز "تقدم للسياسات" – لندن، أمير مخول إن ما نشرته صحيفة يسرائيل هيوم على لسان محللها العسكري إيتاي إيلناي تحت عنوان "الوحدة العسكرية التي ستقود إجلاء مليون من سكان مدينة غزة"، يكشف عن أخطر النوايا المضمرة لدى نتنياهو وحكومته، والمتمثلة في تحويل غزة إلى حقل تجارب لسياسات تطهير عرقي ممنهج.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هناك وحدة عسكرية استراتيجية أطلق عليها منظمة تحريك السكان (وللاختصار: المخلول)، بقيادة العميد أودي بار موحا، بهدف مركزي هو "إدارة حركة السكان" أي دفع الفلسطينيين نحو النزوح القسري، مشيرًا إلى أنّ الجيش الإسرائيلي يُسمي ذلك "فنًّا من فنون الحرب"، في محاولة لإضفاء غطاء أكاديمي – عسكري على جريمة الإبادة.
وبيّن مخول أن تجريب هذه العقيدة جرى بشكل جزئي في عدوان 2014، ثم أصبح ركنًا أساسيًا في حرب 2021، وصولًا إلى الحرب الشاملة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث عمد الجيش إلى تقسيم غزة إلى كتل وأحياء وفق المنطق الاجتماعي - السكاني لا وفق الجغرافيا العسكرية، لتسهيل إدارة التهجير عبر العشائر والبنى المحلية.
وأشار إلى أنّ معطيات الأمم المتحدة تؤكد أن 82% من سكان غزة كانوا قبل الحرب يعيشون في مناطق صنفها الجيش كمناطق إخلاء، ما يعني أن الخطة وُضعت على فرضية مسبقة لتقويض وجود الناس، ومن ثمّ، فإن القصف، والتجويع، وقطع المساعدات، ومنع الخدمات الأساسية، ليست أدوات حرب فحسب، بقدر ما تعد آليات ضغط ممنهجة لدفع مليون إنسان إلى التهجير الداخلي أو الموت البطيء.
وكشف مخول عن أن منظومة "المخلول" لديها امتدادات في الضفة الغربية والحدود الشمالية مع لبنان وسوريا، بما يجعلها مشروعًا إقليميًا للتطهير العرقي، مستندة إلى "دفاتر القرى" التي ورثها الجيش عن الهاجاناه منذ أربعينيات القرن الماضي.
وأوضح أن الجنرال إيرز وينر، أحد أبرز منظّري هذه العقيدة، يصف التهجير المتكرر بأنه أحد "نجاحات الحرب"، مشددًا على أن الهدف هو استدامة النزوح لا إنهاؤه، أي الإبقاء على الفلسطينيين في حالة حركة مستمرة داخل بقعة جغرافية تضيق بهم أكثر فأكثر، ريثما يتقلص عددهم بفعل المجاعة والأوبئة والتآكل البشري.
ونوّه مخول إلى أنّ الخطة في جوهرها تفضي بالضرورة إلى فرض حكم عسكري إسرائيلي طويل الأمد على غزة، وهو ما كان الجيش يتجنبه تاريخيًا، لكن مع الانتقال إلى "عربات جدعون 2"، تصبح السيطرة العسكرية المباشرة مقرونة بإدارة الحياة اليومية للمهجّرين في مدن خيام، وهو ما يعني حرب استنزاف طويلة ومأزق قانوني دولي أعمق للجيش الإسرائيلي.
واستطرد قائلًا إن هذا المخطط لا ينفصل عن البعد السياسي، حيث يمضي نتنياهو وسموتريتش وبن غفير في سياساتهم بدعم كامل من إدارة ترامب المرتقبة، وتحت مظلة صمت أو تواطؤ دولي، بينما تُظهر الوقائع أن أي محاولة للبحث عن "دولة ثالثة" لتهجير الفلسطينيين إليها قد فشلت حتى الآن، مما يعزز فكرة أن الاحتلال سيعتمد على التهجير الداخلي المستدام، كآلية ديمغرافية وأمنية معًا.
وأشار مخول إلى أن تقرير يسرائيل هيوم يفضح حقيقة أن "التحريك السكاني" هو التعبير الأكثر فجاجة عن مشروع إبادة جماعية، يُراد له أن يكون "الحل النهائي" للقضية الفلسطينية في غزة والضفة وسائر فلسطين التاريخية، منوهًا إلى أن المجتمع الدولي، الذي اكتفى حتى الآن بالتعبير عن القلق، يقف أمام لحظة اختبار حقيقية تتمثل بالانخراط في كبح هذه الجريمة المنظمة، أو المشاركة الضمنية في شرعنتها عبر الصمت.
وتابع أنّ الضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل، والتي تجسدت في الانتقال من حدود التوبيخ السياسي إلى التلويح بإجراءات عقابية متزامنة مع موجة الاعترافات المتسارعة بدولة فلسطين، قد دفعت صانع القرار الإسرائيلي إلى إعادة التموضع الاستراتيجي، فبدلًا من الانخراط في مسارٍ سياسي قد يفرض عليه تنازلات جوهرية، يندفع الاحتلال نحو الاحتماء بمظلّة إدارة ترامب المرتقبة، مع ما يترجم إليه هذا الاحتماء في صورة عقاب جماعي ممنهج يستهدف الفلسطينيين أينما كانوا، في الداخل والشتات، بقصد ضرب ركائز أي مشروع وطني جامع، وإفراغ أي حلّ سياسي من محتواه، مقابل فرض معادلة أمنية صرفة تُعيد إنتاج منطق السيطرة العسكرية العارية.
ولفت مخول الانتباه إلى أن القطاع يتحول إلى معسكر سكاني مكتظ يُدار بمنطق تقليص العدد وتدمير شروط الحياة، بما يضمن، على المدى الاستراتيجي، تقليص الكثافة الديموغرافية الفلسطينية وتهيئة الأرضية لمشروع التطهير العرقي الزاحف الذي يتغذى على الاستنزاف الطويل الأمد.
وذكر أن هذا التوجه يعكس بوضوح انتقال المشروع الصهيوني من وهم الحسم العسكري السريع إلى خيار "الإبادة البطيئة"، بحيث تصبح الحياة نفسها في غزة غير ممكنة، فيغدو النزوح المستدام أداةً لإعادة صياغة الخريطة الديموغرافية والسياسية في المنطقة.

