الزغول لـ"أخبار الأردن": هذا هو شكل فلسطين في "ديكابوليس الشرق الأوسط"

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الباحث في العلاقات الدولية والشأن الأمريكي الدكتور كمال الزغول إن هناك بروزًا واضحًا لملامح مشروع استراتيجي ذي جذور تاريخية ورؤية مستقبلية تنطوي على إعادة صياغة بنية الجغرافيا السياسية للمنطقة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الولايات المتحدة، من خلال أدواتها الإسرائيلية وبغطاء اقتصادي - أمني، تحاول إعادة إنتاج نموذج "الديكابوليس" الذي ظهر في الحقبة الرومانية الأولى، حيث جرى تثبيت الإمبراطورية عبر شبكة من المدن - الكيانات المفصولة إداريًا، لكنها مرتبطة برأس واحد يمارس السلطة الكلية.

وبيّن الزغول أن هذه المقاربة المعاصرة تتجسد في محاولة تفكيك فكرة الدولة الفلسطينية وتحويلها إلى مجرد فسيفساء من الكيانات المحلية التي تُدار عبر منظومة أمنية متعددة المداخل، وبموجب هذا التصور، يتم فصل المدن الفلسطينية بعضها عن بعض، وتحويل كل مدينة إلى ما يشبه "إمارة" قائمة بذاتها، فيما تُجرَّد السلطة الوطنية في رام الله من مضمونها السيادي لتتحول إلى هيئة إدارية أقرب إلى محافظة موسعة يرأسها "محافظ" لا رئيس دولة.


وأشار إلى أن هذا التفكيك الإداري يُستكمل عبر آليات مالية أمنية دقيقة، إذ يتم توجيه الضرائب مباشرة إلى المدن بدلًا من السلطة المركزية، وتعيين منسّق أمني إسرائيلي لكل كيان محلي، بما يكرّس حالة من التبعية المُمأسسة التي تجعل أي مشروع سيادي شامل أقرب إلى المستحيل.

ولا يتوقف الأمر عند الأبعاد الأمنية والإدارية، وإنما يندمج مع مقاربة اقتصادية تُسوِّق لفكرة "السلام المُدار"، بحيث يتم إدماج غزة ضمن منظومة اقتصادية خدمية ولوجستية تُتيح لأمريكا والإقليم الترويج لمشروعات استثمارية تحت عنوان "الاستقرار والتنمية"، في الوقت الذي يُفرَّغ فيه جوهر القضية الفلسطينية من محتواه السياسي والتحرري، وهذه الاستراتيجية لا تنفصل عن محاولات موازية لاستنساخ قوالب مشابهة في سوريا تحت شعارات "حقوق الأقليات" و"إدارة التنوع"، بما يعيد إنتاج خريطة كيانات رخوة يسهل التحكّم بمساراتها، وفقًا لما صرّح به الزغول لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

واستطرد قائلًا إن ما يجري ليس سوى مرحلة تمهيدية لخطوة أكبر تتجاوز حدود فلسطين وسوريا لتطال المجال الجيواقتصادي الأوسع الممتد من الفرات إلى النيل، وأن هذا المشروع، في جوهره، يكرّر النمط الإمبراطوري القديم حين توسعت روما بعد تفكيك الدول المركزية، وسيطرَت على الممرات البحرية، ولا سيما قناة السويس، التي تتحول في المنظور الأمريكي الإسرائيلي إلى محور استراتيجي لإعادة ضبط موازين التجارة العالمية.
وفي مواجهة هذا المسار التصعيدي، لفت الزغول الانتباه إلى أن اللحظة تقتضي إعادة صياغة منهجية الاستجابة بحيث تنتقل من دائرة الانفعال الخطابي إلى مستوى الفعل المركّب والمتدرّج، فالرهان على استنزاف الوقت يعني عمليًا منح الخصم فرصة استكمال هندسته الجيوسياسية بلا عوائق، ومن هنا، تصبح ضرورة إعادة تعريف وظيفة المقاومة جزءًا من مقاربة الاستقرار، إذ ينبغي النظر إليها بوصفها عنصر ردع لإسرائيل وعامل توازن لصالح دول الطوق، بدل اختزالها في خطاب الفوضى أو الاتهام بعرقلة التسويات.

وأكد ما تفرضه المعطيات من اعتماد منطق "التناظر الإجرائي" في الرد، بحيث يقابل كل إجراء عملي على الأرض بخطوة مقابلة لا تكتفي بمستوى البيانات السياسية، وإنما تترجم في سياسات ميدانية واضحة المعالم، ويوازي ذلك رفع منسوب الجاهزية العسكرية والاستخلاص الدقيق لدروس المواجهات الأخيرة، سواء في غزة أو في الاشتباكات الإسرائيلية الإيرانية، بما يشمل تعزيز منظومات الدفاع الجوي، والحرب السيبرانية، والقيادة والسيطرة.

ونوّه إلى أنه لا يمكن إغفال البُعد الإقليمي الذي يفرض إعادة بناء شبكة التحالفات استنادًا إلى منطق القرب الجغرافي والمصالح الحيوية، مع منح الأولوية لدول الطوق في صياغة خطة طوارئ مشتركة قادرة على التفعيل الفوري عند تغيّر قواعد الاشتباك، إلى جانب الانخراط في إعادة تأهيل البنية الفلسطينية سياسيًا واقتصاديًا بما يضمن استعادة المركزية المفقودة أمام سيناريو التفتيت، إذ إن ملء الفراغ بغطاء شرعي ومؤسسي يشكّل الضمانة الأساسية لتقويض مشروع الإمارات المدينية.

واختتم الزغول حديثه بالقول إن ما يُوصَف بالصاروخ الاقتصادي الذي أطلقه ترمب واستثمره نتنياهو لن ينفجر في الأسواق الغربية، وإنما في بنى الاقتصاديات العربية التي ستتكبّد كلفة التفكيك وإعادة التشكيل، مضيفًا أن الانتظار هنا يعد تفريطًا بآخر أوراق القوة، فالمشهد الراهن يشي بانتقال الصراع من كونه نزاعًا على حدود بين كيانين إلى كونه صراعًا على خرائط مفككة ومراكز نفوذ متناثرة، وهو ما يستدعي مقاربة استراتيجية شاملة تزاوج بين الردع الصلب والهندسة الدبلوماسية وتثبيت العمق الشعبي، لأن تفكيك الخرائط يبدأ دائمًا من تفكيك الإرادة.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية