الماضي يتحدث لـ"أخبار الأردن" عن قرار يُربك إسرائيل ويحرّك المنطقة
قال أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور بدر الماضي إنّ الموقف التركي الأخير، المتمثل في إعلان وزير الخارجية قطع العلاقات التجارية والاقتصادية مع إسرائيل، يمثّل منعطفًا سياسيًا فارقًا في المنطقة، إذ لم يعد بالإمكان اعتباره مجرد رد فعل عابر بقدر ما يعكس تحوّلًا في إدراك أنقرة لطبيعة السلوك الإسرائيلي الذي وصفه بـ"الفوضوي والمزعزع لاستقرار الإقليم".
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنّ القرار التركي جاء بعد أشهر من الحرب على غزة وما تبعها من إجراءات إسرائيلية في الجنوب السوري، مشيرًا إلى أنّ أنقرة وجدت نفسها تحت ضغط داخلي وإقليمي متزايد، خاصة وأنّ قواعدها الشعبية لم تعد تقتنع بمجرد الخطابات الإعلامية غير المترجمة إلى خطوات عملية، مضيفًا أنّ تركيا، وهي دولة محورية ذات توجهات مشرقيّة، لا تستطيع الاستمرار في التظاهر بالحياد فيما تتصرف إسرائيل، على حد تعبيره، وكأنها "بلطجي الحي" الذي لا يرى أحداً بعينه.
وبيّن الماضي أنّ الموقف التركي الجديد يرتبط بشكل وثيق بالملف السوري، حيث ترى أنقرة أنّ وحدة سوريا واستقرارها يشكلان جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي المباشر، مستطردًا أنّ استمرار الانقسامات السورية قد يفتح الباب أمام تهديدات متعددة، سواء عبر الملف الكردي في الشمال الشرقي، أو من خلال إضعاف الدور التجاري السوري الذي يعد نافذة استراتيجية لتركيا نحو العمق العربي، فضلًا عن البعد المتعلق بتوازن القوى مع إيران التي طالما أقلقت أنقرة بدورها المتنامي داخل سوريا.
ونوّه إلى أنّ أنقرة كانت تراهن في السابق على أنّ إسرائيل ستعود، بفعل ضغوط حلفائها الغربيين، إلى مربع "الواقعية السياسية"، لكن الوقائع أثبتت العكس، حيث تحولت إسرائيل – وفق توصيفه – إلى قوة متمردة حتى على رعاتها الأساسيين في الولايات المتحدة وأوروبا، مستطردًا أنّ هذا التحول دفع تركيا إلى إعادة تقييم شاملة لمصالحها الاستراتيجية، إذ لم يعد مقبولًا أن تبقى جارتها الجنوبية خاصرة رخوة منقسمة مذهبيًا واجتماعيًا، بما قد ينعكس على الداخل التركي ويولّد قلقًا طويل الأمد على وحدتها وأمنها القومي.
ورأى الماضي أنّ السيناريوهات المتعلقة بالقرار التركي تبقى مفتوحة، إذ يمكن اعتباره رسالة تكتيكية لإعادة ضبط السلوك الإسرائيلي التوسعي، كما يمكن النظر إليه كبداية لمرحلة جديدة تُغيَّر فيها قواعد اللعبة بين أنقرة وتل أبيب، بما قد يشكل ضغطًا استراتيجيًا يجبر إسرائيل على إعادة التموضع وفهم أنّ حالة الانفلات التي تصنعها لن تعود عليها بالنفع بل سترتد عليها وعلى استقرارها الإقليمي.
واختتم حديثه بالتأكيد على أنّ تركيا لم تعد قادرة على التعايش مع معادلة "الغضب الشعبي مقابل الصمت الرسمي"، مشددًا على أنّ المرحلة تفرض بناء موقف عملي يترجم خطابها السياسي إلى خطوات ملموسة، فإذا لم تدرك إسرائيل أنّ التمدد اللامحدود يضعها في مواجهة عزلة متنامية إقليميًا ودوليًا، فإنها ستدفع ثمن سياساتها من أمنها الداخلي ومن استقرار المنطقة بأسرها.

