عاصفة جيوسياسية تلوح في الأفق... والعرب في مرمى النيران
قال الخبير العسكري محمد المغاربة إنه لم يعد ممكنًا، على الإطلاق، مقاربة المشهد الاستراتيجي في منطقتنا العربية بمعزل عمّا يتشكّل على الضفة الأخرى من العالم، حيث تتقاطع مصالح القوى العظمى وتتشابك أولوياتها في لحظة مفصلية غير مسبوقة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن القمة الأوروبية – الأمريكية الأخيرة شكّلت منعطفًا حادًا في الموقف الغربي تجاه الحرب الروسية – الأوكرانية، إذ شهدنا تحوّلًا نوعيًا في موقف العواصم الأوروبية التقليدية، التي أبدت فجأة استعدادًا غير متوقع للقبول بمخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بما يتضمنه من تنازلات واسعة لروسيا، تصل إلى حد الاعتراف بسيادتها على مقاطعات أوكرانية كاملة، وهو ما كان قبل أسابيع فقط مرفوضًا جملةً وتفصيلًا من أوروبا، وغير وارد حتى في حسابات كييف.
وبيّن المغاربة أن هذا التحوّل الجذري لا يمكن قراءته بوصفه مجرد تعديل تكتيكي في السياسة الخارجية الأوروبية أو الأمريكية، فهو تعبير عن إعادة تموضع جيوبوليتيكي شامل، تتجاوز أبعاده حدود الصراع في أوكرانيا، فالتنازلات المُقدّمة لبوتين تكشف عن عقيدة استراتيجية جديدة، قوامها: تحييد روسيا مؤقتًا، وإعادة توجيه البوصلة الاستراتيجية نحو المواجهة الأكثر حساسية وحسمًا، والمتمثلة في الصراع المرتقب مع الصين.
إذ تدرك الولايات المتحدة، ومعها شركاؤها الأوروبيون، أن استمرار استنزاف مقدراتهم في الساحة الأوكرانية يصب مباشرة في مصلحة بكين، التي تستغل هذا الفراغ وتوظف الوقت الضائع لتوسيع قدراتها الاقتصادية والعسكرية، وتعزيز نفوذها العالمي، مستندة إلى توافق استراتيجي متصاعد مع موسكو، وإلى شبكة واسعة من التحالفات تمتد من طهران وأنقرة ونيودلهي وإسلام آباد، وصولاً إلى دول البريكس الصاعدة، كما جاء على لسانه.
وأردف أن هناك إدراكًا غربيًا متزايدًا بأن الصراع الحقيقي في بكين، لا في كييف، وأن إعادة ترتيب الساحة الأوروبية – الروسية هو مجرد مدخل لوقف النزيف، وتفريغ الطاقات نحو مسرح المواجهة القادم، ومن هنا، يمكن قراءة الاندفاع الأمريكي – الأوروبي في القمة الأخيرة بوصفه عملية حسم استباقي لملف أوكرانيا، يفتح الباب أمام انتقال كامل للتركيز نحو كبح الصعود الصيني.
ونوّه المغاربة إلى أن الأخطر يتجلى في تداعيات هذه الاستراتيجية على منطقتنا العربية تحديدًا، التي تبدو – في ضوء موقعها الجغرافي الممتد من المحيط إلى الخليج، وثقلها الاقتصادي – المورداتي، وما تزخر به من ثروات معلنة وخفية – الحلقة الأكثر تأهيلًا لتتحوّل إلى مسرح مركزي للصراع الجديد، فالهشاشة التي تعتري أنظمتنا السياسية، والرخاوة الاجتماعية والاقتصادية، تجعل المنطقة بيئة خصبة لإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية بما يخدم المشروع الأمريكي – الإسرائيلي في مواجهة الصين.
وذكر أن القراءة المتأنية لمسار الأحداث تشير إلى أن الإدارة الأمريكية، مدعومة بالذراع الاستراتيجي الإسرائيلي، تتجه نحو مرحلة هجومية جديدة، قوامها إحداث تغييرات جذرية في بنية الكيانات السياسية العربية، وإعادة صياغة التوازنات الداخلية والإقليمية، بحيث تُصبح المنطقة منصة آمنة وموثوقة لتنفيذ الاستراتيجية الجيوبوليتيكية الأطلسية في معركة القرن مع بكين.
وعليه، فإن ما ينتظر منطقتنا هو سلسلة من الهزّات الكبرى التي قد تشمل خرائط النفوذ، وشكل الكيانات السياسية، وأنماط التوازنات الاقتصادية والأمنية، ذلك أن المشروع الأمريكي – الإسرائيلي لا يرى في الوضع العربي الحالي إطارًا صالحًا أو مضمونًا لتحقيق طموحاته الاستراتيجية، ما يجعل التغيير – وفق عقيدته – حتميًا، وجذريًا، وسريعًا.
واختتم المغاربة حديثه بالإشارة إلى أن ارتدادات القمة الأوروبية - الأمريكية الأخيرة تمثل بداية مرحلة جديدة في النظام الدولي، قوامها الانتقال من "معركة استنزاف في أوكرانيا" إلى "صراع حسم مع الصين"، مرورًا بتغييرات جوهرية في البيئة العربية، التي يُنظر إليها باعتبارها نقطة ارتكاز حاسمة، وحلقة اختبار رئيسية لمستقبل التوازن الجيوسياسي العالمي.

