الحوارات لـ"اخبار الأردن": الأولويات الأردنية أمام تحديات مصيرية
قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات إنّ الملف السوري يظلّ ماثلًا في صدارة الأجندة الاستراتيجية الأردنية، بصفته أحد الأعمدة الصلبة في معادلة الأمن القومي للمملكة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الأردن، الذي دفع على امتداد سنوات الأزمة السورية أثمانًا جسيمة بشريًا، وأمنيًا، واقتصاديًا، يجد نفسه مضطرًا إلى التعامل مع هذا الملف من زاويتين متداخلتين ومتشابكتين، الأولى زاوية أمنية صلبة تتصل بإحكام السيطرة على الحدود الشمالية ومنع تدفقات السلاح والمخدرات وتسلل الجماعات المتطرفة، والثانية زاوية سياسية – اقتصادية تنطلق من الحاجة إلى إعادة دمج سورية في محيطها العربي، على نحو يتيح فتح مسارات استراتيجية أمام مشاريع الطاقة والنقل والتجارة العابرة للأراضي، بما يعيد تشكيل خريطة المصالح في الإقليم.
وبيّن الحوارات أنّ التحديات الأمنية المتراكمة جعلت عمّان تولي الأولوية المطلقة لتأمين بيئة حدودية مستقرة، قادرة على احتواء أي محاولة لإعادة إنتاج أنماط الفوضى والانفلات التي وسمت العقد الماضي، إذ ينطلق التفكير الاستراتيجي الأردني من قناعة راسخة بأن استقرار سورية واستعادة عافيتها السياسية والاقتصادية يشكلان شرطًا موضوعيًا ولا غنى عنه لحماية الداخل الأردني وضمان ديمومة اقتصاده، فضلًا عن احتواء التدفقات البشرية والعسكرية والأيديولوجية غير المنضبطة.
وشدّد على أنّ الهواجس الأردنية حيال التمدد الإسرائيلي في الجنوب السوري لا تزال قائمة بحدة في العقل الاستراتيجي للمملكة، ذلك أنّ أي تموضع عسكري أو أمني إسرائيلي بمحاذاة الحدود الشمالية للأردن سيضعه عمليًا في مواجهة ما يشبه "كماشة جيوسياسية" خانقة، تضغط من الغرب عبر الضفة الغربية وغزة، وتضغط من الشمال عبر سورية، ليغدو هذا السيناريو أكثر خطورة بالنظر إلى طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية، اليمينية المتشددة بزعامة بنيامين نتنياهو، التي تواصل التلويح بمشاريع توسعية تستند إلى خطاب "إسرائيل الكبرى" وتستبطن سياسات التهجير القسري وإعادة تشكيل الخرائط الديموغرافية بالقوة.
وبيّن الحوارات أنّ التعامل مع هكذا سيناريوهات يفرض على الأردن إعادة هندسة مقاربته الإقليمية، من خلال بناء شبكة تحالفات مرنة وذات ديناميكية عالية مع القوى العربية المؤثرة، وفي مقدمتها مصر والسعودية، وإن أمكن العراق، دون إغلاق الباب أمام انفتاحات تكتيكية على سورية وإيران، إذا ما أتاح ميزان القوى الإقليمي والدولي مثل هذه الإمكانية، مضيفًا أن الغاية الجوهرية من هذه المقاربة تكمن في إرساء حالة من التوازن الاستراتيجي تكبح جماح النفوذ الإسرائيلي وتمنع تغوّله في المشهد المشرقي، عبر تأسيس محور أمني – اقتصادي – سياسي يمتلك حدًا أدنى من التماسك والقدرة على ممارسة الفعل الجماعي.
وفي هذا الإطار، تبرز المعادلة الأردنية – العراقية بوصفها إحدى الركائز الأساسية لهذه الرؤية، فالمشاريع الثلاثية التي تجمع الأردن، والعراق، ومصر، سواء خطوط الغاز والنفط أو مشاريع الربط الكهربائي، تؤسس لنواة صلبة يمكن البناء عليها، كما أن توسيع هذا الإطار ليشمل سورية سيمنح الأردن فرصة تاريخية لترسيخ موقعه معبرًا استراتيجيًا يربط المشرق العربي بمنظومة الخليج العربي ومن ثم بأوروبا، فضلًا عن تكريس قدرة إقليمية جماعية على مقاومة التفكك وموازنة المشاريع التوسعية الإسرائيلية، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأردف الحوارات أن الأردن، وهو يضع الملف السوري في قلب رؤيته الإقليمية، يسعى إلى تحويله من بؤرة تهديد إلى رافعة تاريخية لإعادة بناء منظومة أمنية – اقتصادية مشرقيّة، قادرة على حماية استقراره الداخلي وتعزيز وزنه النسبي في معادلات التوازن الإقليمي الآخذة في التشكل من جديد.

